للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

رجله وازْرَقّ وعجز عن أن يخطو عليها خطوة واحدة. فاضطربت أمه وجزع أبوه، وسألاه عن خبرها فأخبرهما الخبر، فأضجعوه في فراشه وجاؤوا بالطبيب، فلما رآها علم أنه قد فات أوان العلاج وأنها إن لم تُقطَع فوراً مات الولد من تسمم الدم، فانتحى بأبيه ناحية وخبّره بذلك همساً يحاذر أن يسمع الولد قوله، ولكن الولد سمع وعرف أنها ستقطع رجله، فصرخ: لا، لا تقطعوا رجلي، لا تقطعوا رجلي! أبي، أنقذني.

وحاول أن يقفز على رجل واحدة ويهرب منهم، فأمسك به أبوه وردّه إلى فراشه، فنادى أمه نداء يقطع القلوب: أمي، أمي، أنقذيني! أمي، ساعديني! لا تقطعوا رجلي.

ووقفت الأم المسكينة حائرة تحس كأن كبدها تتمزق: قلبها يدعوها إلى نجدة ابنها ويفيض حناناً عليه وحباً له، وعقلها يمنعها ويناديها أن تفتدي حياته برجله. ولم تدرِ ماذا تصنع، فوقفت وقلبها يتفطر ودمعها يتقاطر، وهو ينظر إليها نظر الغريق إلى من ظنّ أنه سينقذه. فلما رآها لا تتحرك يئس منها كما يئس من أبيه من قبل، وجعل ينادي أخاه إدغار بصوت يختلط فيه النداء بالبكاء بالعويل: إدغار، إدغار! أين أنت يا إدغار؟ أسرع فساعدني، إنهم يريدون أن يقطعوا رجلي!

وسمع أخوه إدغار (وهو أكبر منه بقليل) صراخه فأقبل مسرعاً، فشدّ قامته ونفخ صدره ووقف دون أخيه متنمّراً مستأسداً وفي عينيه بريق عزيمة لا تُقهَر، وأعلن أنه لن يدع أحداً يقترب منه. وكلمه أبوه ونصحته أمه، وهو يزداد حماسة، وأخوه يختبئ

<<  <   >  >>