وراءه ويتمسك به فيشد ذلك من عزمه. وحاول أبوه أن يزيحه بالقوة، فهجم على أبيه وعلى الطبيب الذي جاء يساعده. واستأسد واستيأس.
والإنسان إذا استيأس صنع الأعاجيب. ألا ترون الدجاجة إذا هجم أحدٌ على فراخها كيف تنفش ريشها وتقوم دون فراخها؟ والقطة إذا ضويِقَت كيف تكشر عن أنيابها وتبدي مخالبها؟ إن الدجاجة تتحول صقراً جارحاً والقطة تغدو ذئباً كاسراً. وإدغار صار رجلاً قوياً وحارساً ثابتاً، يتزحزح الجدار ولا يتزحزح عن مكانه. وتركوه آملين أن يملّ أو يكلّ فيبتعد عن أخيه، ولكنه لم يتحرك، وبقي يومين كاملين واقفاً على باب أخيه يحرسه، لم يأكل في اليومين إلا لُقَيمات قربوها إليه، ولم ينم إلا لحظات، والطبيب يجيء ويروح، ورجل الولد تزداد زُرقة وورَماً. فلما رأى الطبيب ذلك نفض يده وأعلن أنها لم تبقَ فائدة من العملية الجراحية وأن الولد سيموت، وانصرف. ووقفوا جميعاً أمام الخطر المحدق.
* * *
ماذا يصنع الناس في ساعة الخطر؟ إن كل إنسان -مؤمناً كان أو كافراً- يعود في ساعة الخطر إلى الله، لأن الإيمان مستقر في كل نفس حتى في نفوس الكفار، ولذلك قيل له «كافر»، والكافر في لغة العرب «الساتر»، ذلك أنه يستر إيمانه ويغطيه، بل يظن هو نفسه أن الإيمان قد فُقد من نفسه، فإذا هزَّتْه الأحداث ألقت عنه غطاءه فظهر.
قريش التي كانت تعبد هبل واللات والعزى إنما كانت تعبدها