للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

كانت خاتمة هذه القصة؟ لعل منكم من يذكر طيّارة شركة الشرق الأوسط التي سقطت تلك السنة وهلك من كان فيها. هذه هي الطيارة التي حزن على أنها فاتته!

إن الإنسان قد يطلب من الله ما يضره، ولكن الله أرحم به من نفسه. وإذا كان الأب يأخذ ولده الصغير إلى السوق فيرى اللعبة فيقول: أريدها، فيشتريها له، ويبصر الفاكهة الجميلة فيوصله إليها، ويطلب الشكلاطة فيشتري له ما يطلبه منها، فإذا مرّ على الصيدلية ورأى الدواء الملفوف بالورقة الحمراء فأعجبه لونه فطلبه، هل يشتريه له وهو يعلم أنه يضره؟ إذا كان الأب وهو أعرف بمصلحة ولده لا يعطيه كل ما يطلب لأنه قد يطلب ما لا يفيده، فالله أرحم بالعباد من آبائهم ومن أمهاتهم.

* * *

وقد وقع لي مرة (وذكرت هذا في بعض أحاديثي من قبل) أن دعانا كبير أسرتنا، الدكتور طاهر الطنطاوي الذي توفي من زمن بعيد رحمة الله عليه، إلى جمع في بيته يضم أفراد الأسرة جميعاً، وأعدّ لهم مائدة وضع لهم فيها كل ما يلذ ويطيب وهيأ لهم كل ما يسرهم ويرضيهم. وذهبت إلى الاجتماع وكنت منشرح الصدر، فما لبثت فيه إلا نصف ساعة حتى ضاق صدري وأحسست كأن دافعاً يدفعني إلى الخروج وأنني إن بقيت اختنقت.

واستأذنت بالانصراف فعجبوا مني، وكنت أنا أعجب من نفسي ولا أعرف سبباً لهذا الذي حلّ بي. وفسد الاجتماع وضاع ما كانوا يتوقعونه من المسرّة والانبساط وألقوا اللوم عليّ، وأنا أعذرهم ولا أدري لما فعلت سبباً. وكانت داره في سفح جبل

<<  <   >  >>