للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن واجدون في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} ((١)) ما يعدّ آية الآيات في التصوير البلاغي في القرآن، وبخاصة في سورة القصص.

فتوالي حروف الجر، وتوالي الاضافات، والتصاق كل ذلك بعضه ببعض، ثم التقريب من العام إلى الخاص (شاطىء الواد) ، (البقعة المباركة) ، (من الشجرة) ، يدلّ على تصوير المعنى بأبلغ الصفات التي تدلّ (بما قبلها) على (ما بعدها) من قوله تعالى: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ((٢)) ، ومايتلوه من قوله تعالى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} ((٣)) ، ففي كل ذلك التصوير، شُخِّصَ المعنى بأبلغ لفظ موجز، وهو نوع من أنواع الإيغال البلاغي، وفيه التفاف في الوصف. وجملة

(نودي) المبنية للمجهول تدلّ على تعظيم المنادى والمنادي.

ونجد أن قوله تعالى: {اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ} ((٤)) ، يضم صورة بلاغية بجنب مجموعة من الصور الفنية تتمثل في أن الأمر نتيجته هاهنا الحقيقة في الوقوع ـ وليس المجاز فلو أن الأمر (اسلك) كان مؤداه مجازاً لبطل وجه من أوجه الإعجاز الخبري في صدق قوله تعالى: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ} بقرينة {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} احترازاً عن البرص الذي هو بياض بسوء.


(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٣٠.
(٢) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٣٠.
(٣) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٣١.
(٤) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>