للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و (لا يشعرون) أي لا تدركون بالحواس ودلالة (لا يشعرون) في هذا الموضع أبلغ من أية دلالة أخرى مثل لا يعلمون لأن العلم متحقق بعد وجود شيء ما معروف في العقل وليس الشعور بشيء مادي، بل هو شيء معنوي دقيق كلّ الدقة كخبر ولادة موسى (- عليه السلام -) ، وكونه بين ظهراني قوم فرعون، وأما دلالة (يعقلون) هاهنا فقد تكفل بهما وببيانهما الراغب الأصبهاني إذ قال:

" ولو قال في كثير مما جاء فيه (لا يشعرون) لا يعقلون لم يكن يجوز، إذ كان كثير مما لا يكون محسوساً قد يكون معقولاً " ((١)) ، والشعور إحساس، والعقل معرفة ونحن نرى أن هذه الآيات كذلك، وهو يوافق ما ذهبنا إليه آنفاً، لأن المعنى هو أن عدم شعورهم يعني انهم لم يحسوا بلهفتها عليه، ولو قيل: إنهم لا يعقلون لكان المعنى أنهم لا عقل لهم قط.

ونحن نجد أن قوله تعالى: {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} ((٢)) يثير سؤالاً هو: لماذا جاءت الصيغة القرآنية (يستصرخه) هكذا، ولم تجيء في الاستخدام أية صيغة أخرى مثل (يستنجده) ، أو (يستغيثه) ، أو (يستنصره) ؟

والجواب عن ذلك هو أن أية صيغة أخرى إذا ما وضعت موضع كلمة

(يستصرخه) لا يمكن أن تدلّ على المضمون الذي دلت عليه الصيغة القرآنية، فلو قلنا (يستنجده بالأمس) دلّ ذلك على طلب النجدة ولم يكن ذلك حال الرجل. ولو قلنا: (يستغيثه) لم يكن ذلك الاستخدام مناسباً، فطلب الغوث دعاء من قريب لبعيد، وليس ذلك واقع الحال، لأنهم كانوا جميعاً في مكان واحد.


(١) معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص ١٢ /٢٣٠.
(٢) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>