للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ} ((١)) يثير في النفس سؤالاً هو: لماذا جاءت الصيغة القرآنية بالمصدر (الرهب) ، وهي صيغة استعيرت من فعل الطائر، لأنه إذا خوف نشر جناحيه، ولم تجيء مثلاً على صيغة (الخوف) ، أو (الخشية) ، أو (التوجس) ، أو أية صيغة من صيغ العموم؟

والذي أراه، والله أعلم بالصواب، أن دلالة استخدام أي مصدر أخر غير

(الرهب) لا يمكن أن تكون له في نفس المقام الذي جاءت به. فلو قيل: (من الخوف) لم يكن للخوف، وهو معادل لفظي للجبن، أية دلالة، ولو قيل: (من الخشية) ، وهي لفظة تدلّ على ذات نفسية غير مطمئنة لم يكن لها أية دلالة، ولأن المراد الإلهي، والله أعلم بالصواب إنما كان أن يضمم موسى (- عليه السلام -) جناحه (يديه) من رهبته من الموقف الذي تلقى فيه الوحي دون الخوف الذي تقدم في قوله تعالى: {أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ} ((٢)) والأوامر الإلهية بعد صدورها متحققة كما هي القاعدة المعروفة، كان استخدام صيغة (من الرهب) هو الأبلغ في دلالته، فاستعارة صورة الطائر صور لنا دقة حال سيدنا (- عليه السلام -) ، فكأنه من حذره صار كالطائر الذي يتوجس من كلّ شيء ((٣)) .

وقد يسأل سائل: لماذا قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} (٤) ، وليس هناك أحد يدعو إلى النار؟

قلنا: إن هذه الصيغة جاءت وفيها فائدتان:


(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٣٢.
(٢) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٣١.
(٣) ينظر الكَشَّاف: ٣/ ١٧٥. مفاتيح الغيب: ١٢ /٢٤٧. الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: ٦ /٥٠٠٠.
(٤) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>