للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإجارة المالية وإعطاءها حقها الوافي التام، وما يترتب عليها من أجور مالية أو غير مالية، وهو الوقت الذي قرره الله عزَّ وجلَّ في طلب شعيب ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ من موسى أن يؤجر نفسه له إذ قال: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ} ((١)) ، فلم يكن للمال وجود في هذه الإجارة، ورغم ذلك قبل موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ذلك، وزاد عليه في قبوله عندما قال لشعيب (- عليه السلام -) : {ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} ((٢)) ، فإن موسى (- عليه السلام -) لم يجعل المال (وهو أحد شروط الإجارة عرفاً وعقلاً وشرعاً وفقهاً في القديم والحديث) غاية، بل قبل بهذه الإجارة الطويلة الأمد، مما يدل على أن المال هاهنا مفهوم مجازي بعيد كل البعد عن عقله (- عليه السلام -) (وذلك كذلك قبل بنفسه ـ عليه الصلاة والسلام ـ) .

الإنفاق المالي من رزق الله جلَّ جلاله من صفات المؤمنين، وذلك بدليل قوله عزَّ وجلَّ: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ((٣)) ، فإن هذا المدح بصفة هؤلاء المؤمنين هنا إنما كان لأنهم جعلوا المال وسيلة لا هدف، وإنما كانوا ينفقون بقدر الرزق بإنصاف دون إسراف، فكان ذلك من صفات إيمانهم والذكر المجازي للمال دون التصريح به في سياق هذه الآية يجعله بعيداً كل البعد عن الذم، بل ربما كان هنا مما يؤجر عليه.


(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٢٧.
(٢) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٢٨.
(٣) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>