الرَّابِعُ: الشَّكُّ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْيَقِينُ، وَلَا يَجُوزُ مَعَهُ إلَّا الِاجْتِهَادُ، كَالْمُصَلِّي يَشُكُّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، لِيَتَحَقَّقَ الْخُرُوجُ عَمَّا شَرَعَ فِيهِ، وَكَمَا إذَا أَحْرَمَ بِنُسُكٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ نَسِيَهُ فَالْجَدِيدُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجْتَهِدُ وَطَرِيقُهُ " أَنْ " يَنْوِيَ الْقِرَانَ، وَيَأْتِيَ بِأَعْمَالِ النُّسُكَيْنِ، لِأَنَّ بِهِ يَخْرُجُ عَمَّا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ نَوَاهُ لَمْ تَضُرَّ نِيَّتُهُ ثَانِيًا كَأَنْ نَوَى عُمْرَةً فَإِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ نَوَى حَجًّا فَإِدْخَالُ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ لَا يَقْدَحُ وَإِنْ كَانَ فِي " صِحَّتِهَا " خِلَافٌ، وَفِي الْقَدِيمِ يَجْتَهِدُ لِإِمْكَانِ ادِّرَاكِهِ بِالتَّحَرِّي، كَمَا فِي الْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِأَنَّ التَّحَرِّيَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَإِنَّهُ شَكٌّ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ لَا إمَارَةَ عَلَيْهِ، وَالِاجْتِهَادُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْإِمَارَاتِ، وَلِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ أَمْكَنَ أَدَاؤُهَا بِيَقِينٍ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا، وَلَا " يُرَدُّ " الِاجْتِهَادُ.
فِي الْقِبْلَةِ وَالْأَوَانِي وَالثِّيَابِ وَالْوَقْتِ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَحْصُلُ بِهَا بِيَقِينٍ، إلَّا بَعْدَ فِعْلٍ مَحْظُورٍ، وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَيَتَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسِ وَيُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ نَجِسٍ وَيُصَلِّيَ قَبْلَ الْوَقْتِ، " فَلِذَلِكَ " جَازَ الِاجْتِهَادُ.
وَقَالُوا لَوْ اجْتَهَدَ جُمِعَ فِي أَوَانِ فِيهَا إنَاءَانِ طَاهِرَانِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ كُلٍّ وَاحِد " مِنْهُمْ " طَهَارَةُ وَاحِدٍ هَلْ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجِّ، حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، " قَالَ " وَهَذَا خِلَافٌ فِي " أَنَّ " الِاقْتِدَاءَ هَلْ يَجُوزُ بِالتَّحَرِّي وَالِاجْتِهَادِ؟ نَعَمْ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ لِلصَّائِمِ آخِرَ النَّهَارِ خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ حَيْثُ قَالَ لَا يُفْطِرُ إلَّا بِيَقِينٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ كَأَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَخِلَافُهُ جَارٍ فِيهَا أَيْضًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute