لَكِنَّهُ قَالَ فِي بَحْرِهِ إنَّ هَذَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الْمَرْجُوحِ أَيْ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْقَضَاءِ وَعَلَى قَوْلِهِمَا الرَّاجِحِ الْمُفْتَى بِهِ فَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا مُقَلِّدًا فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ فَهُوَ مَعْزُولٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلَوْ قَضَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهِ وَقَدْ أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ سِرَاجُ الدِّينِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ مِنْ صِحَّةِ الْحُكْمِ بِبَيْعِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ بِوَقْفِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ مُجْتَهِدٌ أَوْ سَهْوٌ مِنْهُ. اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ وَالدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْعَلَّامَةَ قَارِئَ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ فِي فَتَاوَاهُ ثَانِيًا خِلَافَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا كَمَا نَقَلْته فِي حَاشِيَتِي عَلَى الْبَحْرِ فَرَاجِعْهَا وَأَمَّا مَا فِي الْإِسْمَاعِيلِيَّة فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقْفُهُ بِلَا حُكْمٍ لِكَوْنِهِ غِرَاسًا وَهُوَ مِنْ الْمَنْقُولِ وَلِكَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى النَّفْسِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمٍ يَرَاهُ.
(سُئِلَ) فِي قَاعَةٍ قَدِيمَةٍ عَامِرَةٍ مُحْكَمَةِ الْبِنَاءِ فِي مَحَلَّةٍ أَمِينَةٍ مَرْغُوبٍ فِي السُّكْنَى فِيهَا وَتُؤَجَّرُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَأَرْضُهَا مَفْرُوشَةٌ بِبَلَاطٍ قَدِيمٍ مِنْ عَهْدِ وَاقِفِهَا وَالْآنَ يُرِيدُ بَعْضُ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ بَيْعَ الْبَلَاطِ الْمَزْبُورِ بِلَا وَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَفِي ذَلِكَ تَغْيِيرُ صِيغَةِ الْوَاقِفِ وَبَيْعُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ فَهَلْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ حَيْثُ الْحَالُ مَا ذُكِرَ فِي عُمْدَةِ الْفَتَاوَى لَا يَجُوزُ بَيْعُ بِنَاءِ الْوَقْفِ قَبْلَ هَدْمِهِ وَلَا الْأَشْجَارِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُثْمِرَةِ قَبْلَ قَلْعِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُثْمِرَةِ اهـ بَحْرٌ مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ تَحْتَ قَوْلِ الْمَاتِنِ وَعُلُوٍّ سَقَطَ وَمِثْلُهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ مِنْ الْفَصْلِ الْعَاشِرِ وَلَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ تَغْيِيرُ صِيغَةِ الْوَاقِفِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ وَالْحَانُوتِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَكَيْفَ تُبَاعُ الْعَيْنُ بِلَا مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ.
(سُئِلَ) فِي أَشْجَارِ الْوَقْفِ الْغَيْرِ الْمُثْمِرَةِ إذَا ثَبَتَ يُبْسُهَا وَشِلْوُهَا وَعَدَمُ الِانْتِفَاعِ بِهَا إلَّا حَطَبًا وَفِي بَيْعِهَا وَقَلْعِهَا الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ ثُبُوتًا شَرْعِيًّا بَعْدَ دَعْوَى شَرْعِيَّةٍ فَهَلْ يَجُوزُ قَلْعُهَا وَبَيْعُهَا؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ عَنْ شَجَرَةٍ وَقْفٍ يَبِسَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضُهَا فَقَالَ مَا يَبِسَ مِنْهَا فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ غَلَّتِهَا وَمَا بَقِيَ فَمَتْرُوكٌ عَلَى حَالِهَا. اهـ. وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَقَالَ الْفَضْلِيُّ وَبَيْعُ الْأَشْجَارِ الْمَوْقُوفَةِ مَعَ الْأَرْضِ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْقَلْعِ كَبَيْعِ الْأَرْضِ وَقَالَ أَيْضًا إذَا لَمْ تَكُنْ مُثْمِرَةً يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَلْعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ غَلَّتُهَا وَالْمُثْمِرَةُ لَا تُبَاعُ إلَّا بَعْدَ الْقَلْعِ كَبِنَاءِ الْوَقْفِ بَحْرٌ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ تَحْتَ قَوْلِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْوَقْفَ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّةِ تُوتٌ عَلَى أَرْبَابٍ مُسَمِّينَ فِي يَدِ مُتَوَلٍّ بَاعَ وَرَقَ أَشْجَارِ التُّوتِ جَازَ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْغَلَّةِ فَلَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي قَلْعَ قَوَائِمِ الشَّجَرِ يُمْنَعُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَبِيعَةٍ وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُتَوَلِّي مِنْ مَنْعِ الْمُشْتَرِي عَنْ قَلْعِ الْقَوَائِمِ كَانَ خِيَانَةً مِنْهُ اهـ مِنْ الْفَصْلِ السَّابِعِ، وَفِيهَا قُبَيْلَ الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ: الْأَشْجَارُ الْمَوْقُوفَةُ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مُثْمِرَةٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَلْعِ لِأَنَّهَا هِيَ الْغَلَّةُ بِعَيْنِهَا وَالْمُثْمِرَةُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا إلَّا بَعْدَ الْقَلْعِ كَبِنَاءِ الْوَقْفِ. اهـ.
(سُئِلَ) فِي شَجَرَةٍ وَقْفٍ غَيْرِ مُثْمِرَةٍ يُرِيدُ الْمُتَوَلِّي بَيْعَهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ قَبْلَ الْقَلْعِ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْوَقْفِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ وَأَجَابَ الْمُؤَلِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ سُؤَالٍ آخَرَ بِأَنَّهُ لَا تُنْقَضُ الْبَيِّنَةُ الْمَذْكُورَةُ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْغِرَاسَ حِينَ الْبَيْعِ كَانَ مُثْمِرًا قَدْ تُرَجَّحُ الْبَيِّنَةُ بِكَوْنِهَا لِمَنْ يَدَّعِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الَّذِي وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخَرِ فِيهِ مَثَلًا لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ دَارَ الصَّغِيرِ مِنْ رَجُلٍ قَائِلًا إنَّهَا مُتَوَجِّهَةٌ إلَى الْخَرَابِ وَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهَا زَمَانًا وَعَمَّرَهَا فَلَمَّا كَبُرَ الصَّغِيرُ وَصَارَ بَالِغًا ادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي بِأَنَّ بَيْعَ الْوَصِيِّ إيَّاهَا بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّارَ كَانَتْ مَعْمُورَةً حِينَ بَاعَهَا الْوَصِيُّ مِنْهُ كَانَ الْقَوْلُ لِلصَّغِيرِ أَعْنِي قَوْلَهُ إنَّ الدَّارَ كَانَتْ مَعْمُورَةً حِينَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يُنْكِرُ الْعَقْدَ وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهَا أَيْ الدَّارَ كَانَتْ خَرِبَةً وَقْتَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ صِحَّةَ الْبَيْعِ وَبَيِّنَةُ الصَّغِيرِ تَنْفِيهَا وَتُثْبِتُ بُطْلَانَ بَيْعِ الْوَصِيِّ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَصِيِّ حَالَ كَوْنِ الدَّارِ مَعْمُورَةً بَاطِلٌ لَا مُجِيزَ لَهُ فَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الصَّغِيرِ كَذَا فِي فَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute