شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمِقْدَارِ الَّذِي رُتِّبَ الثَّوَابُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَحَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ فَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ كَيْفَ تَكُونُ الزِّيَادَةُ مُزِيلَةً لِذَلِكَ الثَّوَابِ بَعْدَ حُصُولِهِ. اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْحَالُ فِيهِ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إلَيْهِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ ثُمَّ أَتَى بِالزِّيَادَةِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا لَا مَحَالَةَ وَإِنْ زَادَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِأَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ رُتِّبَ عَلَى عَشَرَةٍ مَثَلًا فَرَتَّبَهُ هُوَ عَلَى مِائَةٍ فَيُتَّجَهُ الْقَوْلُ الْمَاضِي وَقَدْ بَالَغَ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ فَقَالَ مِنْ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَةِ شَرْعًا لِأَنَّ شَأْنَ الْعُظَمَاءِ إنْ حَدُّوا شَيْئًا أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ وَيُعَدُّ الْخَارِجُ عَنْهُ مُسِيئًا لِلْأَدَبِ. اهـ. وَقَدْ مَثَّلَهُ الْعُلَمَاءُ بِالدَّوَاءِ يَكُونُ فِيهِ مَثَلًا أُوقِيَّةُ سُكَّرٍ فَلَوْ زَيْدَ فِيهِ أُوقِيَّةً أُخْرَى لَتَخَلَّفَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُوقِيَّةِ فِي الدَّوَاءِ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ مِنْ السُّكَّرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ لَمْ يَتَخَلَّفْ الِانْتِفَاعُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَذْكَارَ الْمُتَغَايِرَةَ إذَا وَرَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا عَدَدٌ مَخْصُوصٌ مَعَ طَلَبِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِهَا مُتَوَالِيَةً لَمْ تَحْسُنْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ الْمُوَالَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوَالَاةِ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ خَاصَّةٌ تَفُوتُ بِفَوَاتِهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. .
[فَائِدَةٌ تَقْبِيلِ الْخُبْزِ]
(فَائِدَةٌ) : فِي الْحَاوِي لِلْإِمَامِ السُّيُوطِيّ مِنْ كِتَابِ الصَّدَاقِ ضِمْنَ سُؤَالٍ طَوِيلٍ مَا نَصُّهُ: الْجَوَابُ أَمَّا كَوْنُ تَقْبِيلِ الْخُبْزِ بِدْعَةً فَصَحِيحٌ وَلَكِنَّ الْبِدْعَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْحَرَامِ بَلْ تَنْقَسِمُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا بِالتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَلَا بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا وَرَدَ فِيهِ نَهْيٌ خَاصٌّ وَلَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُبَاحَةِ فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ إكْرَامَهُ لِأَجَلِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي إكْرَامِهِ فَحَسَنٌ وَدَوْسُهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً بَلْ مُجَرَّدُ إلْقَائِهِ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ دَوْسٍ مَكْرُوهٌ لِحَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ. اهـ.
وَفِيهِ مَسْأَلَةُ رَجُلٍ مِنْ الصُّوفِيَّةِ أَخَذَ الْعَهْدَ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ اخْتَارَ الرَّجُلُ شَيْخًا آخَرَ وَأَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ فَهَلْ الْعَهْدُ الْأَوَّلُ لَازِمٌ أَمْ الثَّانِي؟
الْجَوَابُ: لَا يَلْزَمُهُ الْعَهْدُ الْأَوَّلُ وَلَا الثَّانِي وَلَا أَصْلَ لِذَلِكَ.
، وَفِيهِ مَسْأَلَةٌ فِي شَخْصٍ يُدْعَى فَقِيهًا يَقُولُ إنَّ تَوْحِيدَ اللَّهِ تَعَالَى مُتَوَقِّفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ عِلْمِ الْمَنْطِقِ وَأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ وَإِنَّ لِتَعَلُّمِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشَرُ حَسَنَاتٍ وَقَالَ: إنَّ أَبَا حَامِدٍ الْغَزَالِيَّ لَيْسَ بِفَقِيهٍ وَإِنَّمَا كَانَ زَاهِدًا،؟
(الْجَوَابُ) : فَنُّ الْمَنْطِقِ فَنٌّ خَبِيثٌ مَذْمُومٌ يَحْرُمُ الِاشْتِغَالُ بِهِ لِأَنَّ مَبْنَى بَعْضِ مَا فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ بِالْهَيُولَى الَّذِي هُوَ كُفْرٌ يَجُرُّ إلَى الْفَلْسَفَةِ، وَالزَّنْدَقَةِ وَلَيْسَ لَهُ ثَمَرَةٌ دِينِيَّةٌ أَصْلًا بَلْ وَلَا دُنْيَوِيَّةٌ نَصَّ عَلَى مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَتْهُ أَئِمَّةُ الدِّينِ وَعُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ فَأَوَّلُ مَنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَصَّ عَلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَابْنُ الصَّلَاحِ، وَالسَّلَفِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُ الْأَثِيرِ وَالنَّوَوِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالذَّهَبِيُّ وَالطِّيبِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو سَعِيدٍ السِّيرَافِيُّ وَالسَّرَّاجُ الْقَزْوِينِيُّ وَأَلَّفَ فِي ذَمِّهِ كِتَابًا نَصِيحَةُ الْمُسْلِمِ الْمُشْفِقِ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِحُبِّ عِلْمِ الْمَنْطِقِ وَنَقَلَ تَحْرِيمَهُ أَيْضًا عَنْ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ: إنَّ الْغَزَالِيَّ لَيْسَ بِفَقِيهٍ فَهُوَ مِنْ أَجْهَلِ الْجَاهِلِينَ وَأَفْسَقِ الْفَاسِقِينَ وَلَقَدْ كَانَ الْغَزَالِيُّ فِي عَصْرِهِ حُجَّةَ الْإِسْلَامِ وَسَيِّدَ الْفُقَهَاءِ وَلَهُ فِي الْفِقْهِ الْمُؤَلَّفَاتِ الْجَلِيلَةِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْآنَ مَدَارُهُ عَلَى كُتُبِهِ فَإِنَّهُ فَتَحَ الْمَذْهَبَ وَلَخَّصَهُ بِالْبَسِيطِ، وَالْوَسِيطِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْخُلَاصَةِ وَكُتُبُ الشَّيْخَيْنِ إنَّمَا هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ كُتُبِهِ. اهـ. بِاخْتِصَارِهِ.
(فَائِدَةٌ)
إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أُخِذَ بِظَاهِرِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ثُمَّ بِظَاهِرِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ بِظَاهِرِ قَوْلِ زُفَرَ، وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ الْأَكْبَرُ فَالْأَكْبَرُ هَكَذَا إلَى آخِرِ مَنْ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْحَادِثَةِ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَوَابٌ ظَاهِرٌ وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْمَشَايِخُ الْمُتَأَخِّرُونَ قَوْلًا وَاحِدًا يُؤْخَذُ بِهِ فَإِنْ اخْتَلَفُوا يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الْأَكْبَرِ فَالْأَكْبَرِ ثُمَّ الْأَكْثَرِينَ مَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْكِبَارُ الْمَعْرُوفُونَ مِنْهُمْ كَأَبِي حَفْصٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute