أَفْضَلُ مِنْ السَّلَامِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.
[بَابُ الْجُمُعَةِ]
(بَابُ الْجُمُعَةِ) (سُئِلَ) فِي تَعْظِيمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ هَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ» يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلًا وَهَلْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْكُتُبِ الصَّحِيحَةِ وَمَا مَعْنَاهُ وَمَا الَّذِي اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْبَدِيعِ؟
(الْجَوَابُ) : هَذَا تَتِمَّةُ حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ وَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ» دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ عَلَى أَنَّهُ فُرِضَ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَإِنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ ظَاهِرٌ فِي التَّعْيِينِ.
وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَقَوْلُهُ نَحْنُ الْآخِرُونَ أَيْ زَمَانًا فِي الدُّنْيَا السَّابِقُونَ أَهْلُ الْكِتَابِ وَغَيْرُهُمْ فِي الْمَنْزِلَةِ وَالْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْحَشْرِ وَالْحِسَابِ وَالْقَضَاءِ قَبْلَ الْخَلَائِقِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ وَبَيْدَ أَنَّهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ تَكُونُ بِمَعْنَى غَيْرِ وَعَلَى وَمِنْ أَجْلِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِغَيْرِ الِاسْتِثْنَاءِ أَيْ غَيْرَ أَنَّهُمْ فَفِيهِ تَأْكِيدًا لِمَدْحٍ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ لِإِدْمَاجِ مَعْنَى النَّسْخِ أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ فَتَكُونُ تَعْلِيلَةً لِسَبْقِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا فَنَكُونُ آخَرِينَ لَهُمْ ثُمَّ هُدِينَا إلَى الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَبْلَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ فَنَكُونُ سَابِقِينَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْكِتَابِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ أَوْ الْجِنْسُ أَيْ جِنْسُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ لِيَصِحَّ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ فِي وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الِاسْتِخْدَامِ فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ بِأَنْ نَصَّهُ اللَّهُ لَنَا وَلَمْ يَكِلْنَا إلَى الِاجْتِهَادِ فِيهِ وَفُرِضَ عَلَيْهِمْ أَيْضًا تَعْظِيمُهُ بِعَيْنِهِ وَالِاجْتِمَاعُ فِيهِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يَلْزَمُ بِعَيْنِهِ أَمْ يَسُوغُ لَهُمْ إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ فَاجْتَهَدُوا فِي ذَلِكَ فَأَخْطَئُوا رَوَى أَبُو حَاتِمٍ عَنْ الرَّشِيدِيِّ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى الْيَهُودِ الْجُمُعَةَ فَقَالُوا يَا مُوسَى إنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ يَوْمَ السَّبْتِ شَيْئًا فَاجْعَلْهُ لَنَا فَجَعَلَهُ عَلَيْهِمْ فَالْيَهُودُ يَوْمُ السَّبْتِ وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ يَوْمُ الْأَحَدِ فَاخْتَارُوا السَّبْتَ لِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ يَوْمَ فَرَغَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ خَلْقِ الْخَلْقِ فَظَنُّوا ذَلِكَ فَضِيلَةً تُوجِبُ عِظَمِ الْيَوْمِ فَقَالُوا نَحْنُ نُعَظِّمُهُ وَنَسْتَرِيحُ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ وَنَشْتَغِلُ فِيهِ بِالْعِبَادَةِ وَالشُّكْرِ وَالنَّصَارَى اخْتَارُوا الْأَحَدَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ بَدَأَ اللَّهُ فِيهِ بِخَلْقِ الْخَلْقِ فَاسْتَحَقَّ التَّعْظِيمَ فَخَالَفُوا النَّصَّ فَضَلُّوا.
وَأَمَّا مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَدِيعِ فَفِيهِ الِاحْتِبَاكُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ شَيْئَانِ لَهُمَا مُتَعَلِّقَانِ فَيُذْكَرُ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ وَيُحْذَفُ مُتَعَلِّقُهُ وَيُحْذَفُ الْآخَرُ وَيُذْكَرُ مُتَعَلِّقُهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: ٢٢] قِيلَ أَصْلُهُ وَمَالِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ أَرْجِعُ وَمَالَكُمْ لَا تَعْبُدُونَ الَّذِي فَطَرَكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَفِيهِ أَيْضًا اللَّفُّ وَالنَّشْرُ الْمُرَتَّبُ فِي قَوْلِهِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا رَاجِعٌ إلَى الْآخِرُونَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى السَّابِقُونَ وَفِيهِ الْإِدْمَاجُ وَهُوَ أَنَّهُ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا فَيَكُونُ كِتَابُهُمْ مَنْسُوخًا بِكِتَابِنَا فَيَكُونُ مُدْمَجًا وَفِيهِ تَأْكِيدُ الْمَدْحِ بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ وَفِيهِ الِاسْتِخْدَامُ فِي رِوَايَةِ وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى الْكِتَابِ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ وَفِيهِ الطِّبَاقُ فِي الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ وَفِيهِ الْجَمْعُ وَالتَّفْرِيقُ فِي قَوْلِهِ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ جَمْعٌ وَمَا بَعْدَهُ تَفْرِيقٌ فَفِيهِ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ بَدِيعِيَّةٍ هَذَا مَا تَيَسَّرَ لَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ وَعَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتَمُّ السَّلَامِ.
(سُئِلَ) فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ هَلْ تُؤَدَّى فِي مِصْرٍ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْوِيرِ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute