كَانَتْ كَبِيرَةً؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْسِمَ حِصَّتَهُ مِنْهَا ثُمَّ يَبْنِيَ فِي حِصَّتِهِ، فَإِذَا بَنَى قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَلِذَا قَيَّدَ الْحَمَّامَ بِمَا إذَا خَرِبَ وَصَارَ سَاحَةً؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، فَإِذَا لَمْ يُقْسَمْ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا لَكِنْ فِي الْبِئْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مُتَبَرِّعًا لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا يُقْسَمُ. لَكِنْ أَشَارَ صَاحِبُ الْخَانِيَّةِ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّهُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ شَرِيكَهُ بِالْبِنَاءِ أَيْ فَيُجْبَرُ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا أُجْبِرَ لَمْ يَكُنْ الْآخَرُ مُضْطَرًّا فَصَارَ الْأَصْلُ أَنَّ مَا اُضْطُرَّ إلَى بِنَائِهِ بِأَنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ أَوْ مِمَّا لَا يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى بِنَائِهِ فَبَنَاهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا وَإِلَّا فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ لَكِنْ اُسْتُشْكِلَ هَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بِأَنَّ مَنْ لَهُ حُمُولَةٌ عَلَى حَائِطٍ لَوْ بَنَى الْحَائِطَ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إذْ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِهِ مَعَ أَنَّ الشَّرِيكَ يُجْبَرُ أَيْضًا كَالْبِئْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمُهُمَا.
ثُمَّ قَالَ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاضْطِرَارَ يَثْبُتُ فِيمَا لَا يُجْبَرُ صَاحِبُهُ كَمَا سَيَجِيءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدُورَ التَّبَرُّعُ وَالرُّجُوعُ عَلَى الْجَبْرِ وَعَدَمِهِ إلَى أَنْ قَالَ: وَهَذَا يُخَلِّصُك عَنْ التَّحَيُّرِ بِمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَيُرْشِدُك إلَى الصَّوَابِ. اهـ. لَكِنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْمُرَهُ بِبِنَاءِ الدَّارِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَى الْبِنَاءِ إذَا أَبَى شَرِيكُهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ اسْتِئْذَانُ الْقَاضِي وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ لِلْقَاضِي ذَلِكَ إذَا كَانَ الشَّرِيكُ غَائِبًا مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ طَلَبُ الْبِنَاءِ مِنْهُ وَلَا الْقِسْمَةُ مَعَهُ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الدَّارُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ بَنَى وَإِلَّا قَسَمَهَا جَبْرًا عَلَيْهِ ثُمَّ بَنَى فِي حِصَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتِئْذَانُهُ يَبْنِي بِإِذْنِ الْقَاضِي وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ فِي غَيْرِ مُحْتَمِلِ الْقِسْمَةِ لِلطَّالِبِ أَنْ يَبْنِيَ ثُمَّ يُؤَجِّرَ ثُمَّ يَأْخُذَ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ فِي الْبِنَاءِ مِنْ الْغَلَّةِ وَقَدَّمْنَا هُنَاكَ عَنْ الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ لَوْ بَنَى بِأَمْرِ قَاضٍ وَإِلَّا فَبِقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَقْتَ الْبِنَاءِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُحَرَّرُ كَمَا قَالَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ لَكِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ إنَّمَا ذَكَرُوهُ فِي السُّفْلِ إذَا انْهَدَمَ وَعِبَارَةُ الْأَشْبَاهِ مُطْلَقَةٌ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْإِطْلَاقُ إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ فَيَجْرِي ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا يُضْطَرُّ فِيهِ أَحَدُهُمَا إلَى الْبِنَاءِ كَالسُّفْلِ وَالْجِدَارِ وَالرَّحَى وَالْحَمَّامِ وَالْبَيْتِ وَالدَّارِ الصَّغِيرَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) فِي حَائِطٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ يُرِيدُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَزِيدَ فِي الْبِنَاءِ عَلَيْهِ بِدُونِ إذْنِ الْآخَرِ وَلَا رِضَاهُ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ، جِدَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَزِيدَ فِي الْبِنَاءِ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ أَضَرَّ الشَّرِيكُ بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَضُرَّ خَانِيَّةٌ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ قَصْرٌ فِي دَارِهِ لَهُ طَاقَةٌ غَيْرُ مُشْرِفَةٍ عَلَى مَحَلِّ نِسَاءِ أَحَدٍ مِنْ مَحَلَّتِهِ وَلِعَمْرٍو الَّذِي مِنْ أَهْلِ مَحَلَّتِهِ دَارٌ فِيهَا طَبْلَةٌ حَاجِزَةٌ عَنْ النَّظَرِ مِنْ دَارِهَا فَأَزَالَهَا عَمْرٌو حَتَّى صَارَ زَيْدٌ يُشْرِفُ مِنْ طَاقَةِ قَصْرِهِ الْمَزْبُورِ عَلَى دَرَجِ قَصْرِ عَمْرٍو وَلَيْسَ الدَّرَجُ مَحَلَّ قَرَارِ نِسَاءِ عَمْرٍو وَجُلُوسِهِنَّ فَقَامَ عَمْرٌو يُكَلِّفُ زَيْدًا عَمَلَ حَاجِزٍ يَمْنَعُ النَّظَرَ تُجَاهَ قَصْرِهِ بِدُونِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ لَا يَلْزَمُ زَيْدًا ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ.
(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ دَارٌ مُلَاصِقَةٌ لِدَارِ عَمْرٍو وَفِي دَارِ زَيْدٍ قَاعَةٌ لَهَا مِيزَابَانِ فِي سَطْحِهَا يَصُبَّانِ فِي سَطْحِ إيوَانٍ فِي دَارِ عَمْرٍو مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ فَرَفَعَ عَمْرٌو الْمِيزَابَيْنِ وَعَمِلَ عِوَضَهُمَا سَيَّالَتَيْنِ يَصُبُّ مَاؤُهُمَا عَلَى جِدَارِ الْقَاعَةِ ثُمَّ عَلَى سَطْحِ الْإِيوَانِ وَرَكَّبَ عَلَى جِدَارِ الْقَاعَةِ بِخَشَبَتَيْنِ وَعَمِلَ عَلَى سَطْحِ الْإِيوَانِ مُشْرِفَةً لِأَجْلِ الْجُلُوسِ وَصَارَ إذَا جَلَسَ يَرَى دَاخِلَ الْقَاعَةِ مِنْ قِمَارَيْهَا وَهُوَ مَحَلُّ جُلُوسِ نِسَاءِ زَيْدٍ كُلُّ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنٍ مِنْ زَيْدٍ وَلَا وَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَتَضَرَّرَ زَيْدٌ مِنْ ذَلِكَ وَيُرِيدُ مَنْعَ عَمْرٍو مِنْ ذَلِكَ وَإِعَادَةَ الْمِيزَابَيْنِ وَرَفْعَ الْخَشَبَتَيْنِ فَهَلْ يُسَوَّغُ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ.
[كِتَابُ الْوَصَايَا]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute