للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقِيقَةً إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْبِنْتَ مِنْ أَوْلَادِهِ فَوَلَدُهَا وَلَدُ وَلَدِهِ حَقِيقَةً.

وَكَوْنُ وَلَدِهَا يُنْسَبُ لِأَبِيهِ لَا لَهَا وَلَا لِأَبِيهَا لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ يُسَمَّى وَلَدًا لَهَا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِهَا فَعُلِمَ أَنَّ الْوَجْهَ الْوَجِيهَ دُخُولُهُمْ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ هِلَالٌ وَالْخَصَّافُ اللَّذَانِ عَلَيْهِمَا الْمُعَوَّلُ فِي مَسَائِلِ الْأَوْقَافِ وَتَبِعَهُمَا صَاحِبُ الْإِسْعَافِ وَصَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الَّذِي هُوَ آخِرُ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَصْنِيفًا وَمَشَى عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الَّذِي أَمْلَى الْمَبْسُوطَ مِنْ صَدْرِهِ فِي عِدَّةِ مُجَلَّدَاتٍ وَهُوَ مَحْبُوسٌ فِي الْبِئْرِ وَنَاهِيك بِهِ مِنْ إمَامٍ وَقَدْ صَحَّحَهُ فَقِيهُ النَّفْسِ قَاضِي خَانْ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ عُرْفُ النَّاسِ وَعَمَلُهُمْ عَلَيْهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا حَتَّى لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِي الدُّخُولِ أَصْلًا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِالدُّخُولِ لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ كَلَامَ الْوَاقِفِينَ يُحْمَلُ عَلَى مُتَعَارَفِهِمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُرْفَ وَاخْتِلَافَ الزَّمَانِ مُعْتَبَرٌ فِي تَغَيُّرِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَلِهَذَا كَثِيرًا مَا تَرَاهُمْ يَقُولُونَ فِي بَعْضِ خِلَافِيَّاتِ أَصْحَابِ الْإِمَامِ لَهُ إنَّ هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا دَلِيلٍ وَبُرْهَانٍ وَنَظِيرُهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَغَدَّى فَالْغَدَاءُ فِي عُرْفِهِمْ مِنْ الضَّحْوَةِ وَفِي عُرْفِنَا مِنْ الزَّوَالِ فَلَيْسَ فِي حَمْلِ الْيَمِينِ عَلَى عُرْفِنَا مُخَالَفَةٌ لِأَصْلِ الْمَذْهَبِ وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ.

وَتَقَدَّمَ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ عَنْ الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَا عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَيَتْرُكَا الْعُرْفَ أَيْ فِيمَا لَا يُخَالِفُ النَّصَّ كَمَا ذَكَرْنَا هُنَاكَ وَالْعُرْفُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُوَافِقٌ لَنَصَّ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ كَمَا تَلَوْنَا وَلِوَضْعِ اللُّغَةِ كَمَا قَرَّرْنَا وَلِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا نَقَلْنَا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُرْفَ النَّاسِ كَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا إخْرَاجَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ مِنْ الْوَقْفِ يَقُولُونَ عَلَى أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا جَرَمَ أَنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ نُورَ الدِّينِ الطَّرَابُلُسِيَّ جَنَحَ إلَى رِوَايَةِ الدُّخُولِ وَوَافَقَهُ الْعَلَّامَةُ الشَّلَبِيُّ وَابْنُ الشِّحْنَةِ وَابْنُ نُجَيْمٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمَّا قَصَرَ الْعَلَّامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ وَالْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ نَظَرَهُمَا عَلَى مُجَرَّدِ الرِّوَايَةِ قَالَا مَا قَالَا وَلَوْ لُحِظَا مَا قُلْنَاهُ لَمَا خَالَفَاهُ لِأَنَّ مَا اسْتَنَدَا إلَيْهِ مِنْ النُّقُولِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُتَعَارَفْ خِلَافُهُ لِمَا قُلْنَاهُ وَلِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ مِنْ أَنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ يَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ اهـ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا لِأَصْلِ اللُّغَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَا كَلَامَهُ عَلَى اللُّغَةِ وَخَالَفْنَا عُرْفَهُ لَكِنَّا أَلْزَمْنَاهُ بِمَا لَمْ يَقْصِدْهُ.

كَمَا لَوْ أَوْصَى لِصِهْرِهِ مَثَلًا وَفِي عُرْفِهِ أَنَّ الصِّهْرَ اسْمٌ لِزَوْجِ الْبِنْتِ وَنَحْوِهَا مِنْ مَحَارِمِهِ مَعَ أَنَّ الصِّهْرَ فِي عُرْفِ اللُّغَوِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ عِرْسِهِ فَلَوْ حَمَلْنَا الصِّهْرَ عَلَيْهِ لَزِمَ دَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِ مَنْ أَرَادَهُ الْمُوصِي وَمِثْلُهُ الْوَقْفُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ قَالَ وَقَفْت عَلَى وَلَدِي وَنَسْلِي وَلَهُ وَلَدٌ وَوَلَدُ وَلَدٍ دَخَلُوا فِي الْوَقْفِ لِأَنَّ النَّسْلَ يَتَضَمَّنُ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ الْقَرِيبَ بِحَقِيقَتِهِ وَالْبَعِيدَ بِحُكْمِ الْعُرْفِ إلَخْ فَانْظُرْ كَيْفَ أُدْخِلَ بِالْعُرْفِ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي حَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا قَالُوا إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْمُفْتَى بِهِ لَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَا وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّي أَنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَلَا نِزَاعَ لِأَحَدٍ فِيهِ بَلْ يَقْبَلُهُ وَيَرْتَضِيهِ كُلُّ فَقِيهٍ نَبِيهٍ فَاغْتَنِمْ هَذَا التَّحْرِيرَ الَّذِي لَا تَكَادُ تَجِدُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَحَيْثُ أَتَيْنَا بِخُلَاصَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَزِدْنَا عَلَيْهِ مَا هُوَ أَنْفَعُ الْوَسَائِلِ مِنْ دُرَرِ الْقَلَائِدِ وَفَرَائِدِ الْفَوَائِدِ وَأَتَيْنَا مِنْهَا بِأُمَّهَاتِهَا وَحَرَّرْنَا مِنْهَا أَجَلَّ مُهِمَّاتِهَا فَلْيَكُنْ فِي هَذَا الْقَدْرِ كِفَايَةٌ لِذَوِي الدِّرَايَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

[الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ اسْتِحْقَاقِ أَهْلِ الْوَقْفِ وَأَصْحَابِ الْوَظَائِفِ]

(الْبَابُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ اسْتِحْقَاقِ أَهْلِ الْوَقْفِ وَأَصْحَابِ الْوَظَائِفِ وَأَحْكَامِ بَيْعِ الْوَقْفِ وَبَيْعِ أَنْقَاضِهِ وَأَشْجَارِهِ وَقِسْمَتِهِ وَغَصْبِهِ وَإِجَارَتِهِ وَأُجْرَتِهِ وَمُسَاقَاةِ أَشْجَارِهِ وَعِمَارَتِهِ وَسُكْنَاهُ وَأَرْبَابِ الشَّعَائِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>