عَلَى أَبِيهِمْ لِأَنَّا نَقُولُ مَا خَصَّهُمْ مِنْ نَصِيبِ ذَلِكَ الْمُتَوَفَّى الَّذِي لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَدْفَعُ نَصِيبَهُ إلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الزِّيَادَةِ فِي الْغَلَّةِ فَزَادَ سَهْمُهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ غَلَّةَ الْوَقْفِ قَدْ تَزِيدُ فِي سَنَةٍ وَقَدْ تَنْقُصُ فِي أُخْرَى فَإِذَا كَانَ أَبُوهُمْ فِي حَيَاتِهِ بَلَغَ سَهْمُهُ مِنْ الْغَلَّةِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ ثُمَّ لَمَّا مَاتَ كَثُرَتْ غَلَّةُ الْوَقْفِ حَتَّى صَارَ سَهْمُهُ يَبْلُغُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَمَا كُنْت تَدْفَعُهَا لِأَوْلَادِهِ فَكَذَا إذَا قَلَّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَلَّةَ.
وَهَذَا كُلُّهُ تَوْجِيهٌ لِلْمَنْقُولِ وَلَيْسَ ذَلِكَ يَلْزَمُنَا بَلْ مَنْ ادَّعَى خِلَافَ ذَلِكَ وَأَرْجَعَ نَصِيبَ الْمُتَوَفَّى الْمَذْكُورِ إلَى أَعْلَى الطَّبَقَاتِ فَقَطْ فَإِنْ كَانَ بِمُجَرَّدِ فَهْمِهِ أَوْضَحَنَا لَك مَا يُخَالِفُهُ وَإِنْ كَانَ بِالنَّقْلِ عَنْ أَحَدٍ فَلْيَذْكُرْهُ لَنَا حَتَّى نُقَابِلَهُ مَعَ مَنْ نَقَلْنَا عَنْهُ وَقَدْ قَالُوا الْخَصَّافُ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ يُقْتَدَى بِهِ وَنَحْنُ نَقَلْنَا مَا قُلْنَا عَنْ الْخَصَّافِ الَّذِي أَذْعَنَ بِفَضْلِهِ أَهْلُ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ وَصَارَ عُمْدَةُ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ فِي مَسَائِلِ الْأَوْقَافِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْإِسْعَافِ شِعْرٌ
أُولَئِكَ آبَائِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهِمْ ... إذَا جَمَعَتْنَا يَا جَرِيرُ الْمَجَامِعُ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوَقْفَ إذَا كَانَ مُرَتَّبًا بِثُمَّ أَوْ غَيْرِ مُرَتَّبٌ وَقَدْ سَكَتَ الْوَاقِفُ عَنْ نَصِيبِ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ أَوْ شَرَطَ صَرْفَهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ أَوْ لِغَيْرِهِمْ وَلَمْ يُوجَدْ الْمَشْرُوطُ يُصْرَفُ نَصِيبُ الْمُتَوَفَّى الْمَذْكُورِ إلَى مَصَارِفِ الْغَلَّةِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ لِوُجُودِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالذُّرِّيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْإِسْعَافِ لَكِنْ بَقِيَ هُنَا تَحْقِيقٌ يَحْصُلُ بِهِ نَوْعُ تَوْفِيقٍ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ فِي الدَّرَجَةِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ فَتَارَةً يَقُولُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَهَذَا لَا شَكَّ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَقْرَبَ قَيْدًا فِي أَهْلِ الدَّرَجَةِ فَحَيْثُ فُقِدَتْ الدَّرَجَةُ لَغَتْ الْأَقْرَبِيَّةُ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْأَقْرَبِيَّةَ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ وَهُوَ أَهْلُ دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى فَلَا يَجُوزُ لَنَا تَعْمِيمُهُ وَمِثْلُهُ لَوْ حُذِفَ قَوْلُهُ مِنْهُمْ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ لِأَنَّهُ يَكُون بَدَلَا مِمَّا قَبْلَهُ وَتَارَةً يَقُولُ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ.
وَالْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنَّ مُرَادَهُ تَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ أَيْضًا لَا مُطْلَقًا وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ تَقْدِيمُ الْأَقْرَبِ مُطْلَقًا بِقَرِينَةِ قَطْعِهِ عَمَّا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ يُقَدَّمُ وَكَأَنَّ الْخَلِيلِيَّ لَحَظَ هَذَا الْمَعْنَى فَاعْتُبِرَ الْأَقْرَبِيَّةَ عِنْدَ فَقْدِ الدَّرَجَةِ وَلَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ صِلَةَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَعَنَى لَفْظَ الْأَقْرَبِ مَحْذُوفَةٌ تَقْدِيرُهَا مِنْهُمْ وَالضَّمِيرُ فِيهَا عَائِدٌ إلَى أَهْلِ الدَّرَجَةِ وَتَارَةً يَقُولُ يُقَدَّمُ فِي ذَلِكَ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى أَهْلِ الدَّرَجَةِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مِنْهُمْ وَيُحْتَمَلُ كَوْنُهُ إشَارَةً إلَى النَّصِيبِ أَيْ يُقَدَّمُ فِي نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَكَأَنَّ الشُّرُنْبُلَالِيَّ لَحَظَ هَذَا الْمَعْنَى فَاعْتَبَرَ الْأَقْرَبِيَّةَ حَيْثُ فُقِدَتْ الدَّرَجَةُ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَقْرَبُ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ بِدَلِيلِ الصِّلَةِ الْمُقَدَّرَةِ فَإِنَّ تَقْدِيرَهَا مِنْهُمْ أَيْ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ كَمَا قُلْنَا وَلَوْ قَدَّرْتهَا مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدٌ وَفِي دَرَجَتِهِ جَمَاعَةٌ وَفِي غَيْرِهَا رَجُلٌ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ دَرَجَتِهِ اسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْأَقْرَبُ إلَيْهِ دُونَ أَهْلِ دَرَجَتِهِ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا قَالَ بِذَلِكَ أَصْلًا فَتَعَيَّنَ إلْغَاءُ اعْتِبَارِ الْأَقْرَبِيَّةِ حَيْثُ فُقِدَتْ الدَّرَجَةُ وَمَصْرِفُ نَصِيبِ الْمُتَوَفَّى إلَى مَصَارِفِ غَلَّةِ الْوَقْفِ كَمَا سَمِعْت التَّصْرِيحَ بِهِ.
وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا خِلَافًا لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجَمَاعَةُ الْمَذْكُورُونَ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ فَإِنْ قُلْت قَدْ أَفْتَى الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ لِلِانْقِطَاعِ الَّذِي صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْأَقْرَبِ لِلْوَاقِفِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِغَرَضِهِ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا نَقَلْته عَنْ الْخَصَّافِ وَغَيْرِهِ خِلَافُ الْأَصَحِّ فَلَمْ يَبْقَ لَك مُسْتَنَدٌ عَلَى دَعْوَاك قُلْت لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِنَا قَالَ إنَّ الْمُنْقَطِعَ يُصْرَفُ إلَى الْأَقْرَبِ لِلْوَاقِفِ وَإِنَّمَا قَالُوا يُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَكَأَنَّهُ سَبَقَ قَلَمُهُ فِي ذَلِكَ أَوْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ مَذْهَبُهُ بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ نَفْسُهُ فِي فَتَاوَاهُ الْخَيْرِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَالْمُنْقَطِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute