للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ مِنْ مَالِهِ مُسَاوِيًا لِلصَّرْفِ عَلَى الْعِمَارَةِ مِنْ مَالِهِ نَعَمْ الِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْوَقْفِ لِأَجْلِ الصَّرْفِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ لَا تَجُوزُ وَإِنَّمَا جَوَّزُوهَا لِمَا لَا بُدَّ لِلْوَقْفِ مِنْهُ كَالْعِمَارَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ اهـ كَلَامُ الْحَانُوتِيِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ إنْفَاقَ الْمُتَوَلِّي مِنْ مَالِهِ عَلَى الْوَقْفِ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى إذْنِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِي الِاسْتِقْرَاضِ وَالشِّرَاءِ بِالنَّسِيئَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ إنْفَاقَ مَأْذُونِهِ كَإِنْفَاقِهِ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُ فَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْقَاضِي أَيْضًا.

وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ الثَّانِي عَنْ الْقُنْيَةِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا عَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بِإِذْنِ الْقَيِّمِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا إلَّا إذَا كَانَتْ الْعِمَارَةُ يَرْجِعُ مُعْظَمُ مَنْفَعَتِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا إذَا شَرَطَ الرُّجُوعَ اهـ فَلَمْ يُقَيِّدْ الرُّجُوعَ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَأَفْتَى بِمَا فِي الْقُنْيَةِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ أَمِينُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْعَالِ كَمَا رَأَيْته فِي فَتَاوِيه وَكَذَا أَفْتَى بِهِ الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ حَيْثُ سُئِلَ فِي عَلِيَّةٍ جَارِيَةٍ فِي وَقْفٍ تَهَدَّمَتْ فَأَذِنَ نَاظِرُ الْوَقْفِ لِرَجُلٍ أَنْ يُعَمِّرَهَا مِنْ مَالِهِ فَعَمَّرَهَا مِنْ مَالِهِ بَعْدَ الْإِذْنِ وَأَشْهَدَ أَنَّ الْعِمَارَةَ لِلْوَقْفِ بَعْدَ مُنَازَعَةِ النَّاظِرِ لَهُ فَمَا الْحُكْمُ فِي مَالِهِ الَّذِي صَرَفَهُ بِإِذْنِهِ عَلَى عِمَارَتِهَا أَجَابَ اعْلَمْ أَنَّ عِمَارَةَ الْوَقْفِ بِإِذْنِ مُتَوَلِّيهِ لِيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ تُوجِبُ الرُّجُوعَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الرُّجُوعُ ذَكَرَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فِي عِمَارَةِ النَّاظِرِ بِنَفْسِهِ قَوْلَيْنِ وَعِمَارَةُ مَأْذُونِهِ كَعِمَارَتِهِ فَيَقَعُ الْخِلَافُ فِيهَا وَقَدْ جَزَمَ فِي الْقُنْيَةِ وَالْحَاوِي الزَّاهِدِيُّ بِالرُّجُوعِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ إذَا كَانَ يَرْجِعُ مُعْظَمُ مَنْفَعَةِ الْعِمَارَةِ إلَى الْوَقْفِ اهـ فَلَمْ يُقَيِّدْ أَيْضًا بِإِذْنِ الْقَاضِي مَعَ تَصْرِيحِهِ بِمَا اسْتَظْهَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ فِعْلَ مَأْذُونِهِ كَفِعْلِهِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِكَوْنِ ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِدَانَةِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَيَظْهَرُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِعِمَارَةِ الدَّارِ الضَّرُورِيَّةِ لِيَكُونَ مَا أَنْفَقَهُ مُرْصَدًا عَلَى الدَّارِ وَجِهَةِ الْوَقْفِ يَكْفِي ذَلِكَ بِلَا إذْنِ قَاضٍ وَلَا حُكْمِ قَاضٍ حَنْبَلِيٍّ.

وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ عَصْرِنَا وَمِنْ قَبْلِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي ذَلِكَ وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ سُئِلَ فِيمَا لَوْ أَذِنَ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الصَّرْفِ عَلَى مَرَمَّتِهِ لِيَكُونَ دَيْنًا عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ فَصَرَفَ مَالًا مَعْلُومًا ثُمَّ أَجَرَهُ الْمُتَوَلِّي لِآخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَطَلَبَ دَيْنَهُ فَاعْتَذَرَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا مَالَ لِلْوَقْفِ تَحْتَ يَدِهِ فَأَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ دَيْنَهُ لِيَكُونَ دَيْنًا لَهُ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ كَمَا كَانَ لِلْأَوَّلِ فَدَفَعَ وَمَاتَ الْمُتَوَلِّي فَهَلْ لِلْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي الرُّجُوعُ بِمَا دَفَعَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُتَوَلِّي الْجَدِيدِ فِي مَالِ الْوَقْفِ الَّذِي تَحْتَ يَدِهِ أَوْ فِي تَرِكَةِ الْمُتَوَلِّي الْأَوَّلِ وَتَرْجِعُ وَرَثَتُهُ عَلَى الثَّانِي فِي مَالِ الْوَقْفِ أَجَابَ: الْمُصَرَّحُ بِهِ أَنَّ الْوَقْفَ لَا ذِمَّةَ لَهُ وَأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ مِنْ الْقَيِّمِ لَا تُثْبِتُ الدَّيْنَ فِي الْوَقْفِ إذْ لَا ذِمَّةَ لَهُ وَلَا يَثْبُتُ الدَّيْنُ إلَّا عَلَى الْقَيِّمِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْوَقْفِ وَوَرَثَتُهُ تَقُومُ مَقَامَهُ فِي الرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمُتَوَلِّي الْجَدِيدِ إلَخْ اهـ مُلَخَّصًا.

وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ آجَرَ مَنْزِلًا إجَارَةً طَوِيلَةً وَهَذَا الْمَنْزِلُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ كَانَ وَقَفَهُ عَلَيْهِ وَالِدُهُ وَعَلَى أَوْلَادِهِ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا فَأَنْفَقَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي عِمَارَةِ هَذَا الْمَنْزِلِ بَعْضَ النَّفَقَاتِ بِأَمْرِ الْمُؤَجِّرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ وِلَايَةٌ فِي الْوَقْفِ كَانَ غَاصِبًا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إلَّا الْمُسَمَّى وَذَلِكَ لِلْمُؤَجِّرِ يَتَصَدَّقُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ فِي الْوَقْفِ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِهِ لَا عِبْرَةَ بِمَا سَمَّى مِنْ قَلِيلِ الْأَجْرِ فِي السِّنِينَ الْأُوَلِ، وَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِاَلَّذِي أَنْفَقَ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ إنْ كَانَ لِلْمُؤَجِّرِ وِلَايَةٌ فِي الْوَقْفِ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِيمَا أَنْفَقَ لَا يَرْجِعُ بِهِ لَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَلَا فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُؤَجِّرِ وِلَايَةٌ صَارَ وُجُودُ الْأَمْرِ كَعَدَمِهِ وَلَوْ أَنْفَقَ بِدُونِ أَمْرِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ مِنْ الْإِجَارَةِ فِي نَاظِرٍ عَلَى مَسْجِدٍ وَلِلْمَسْجِدِ وَقْفٌ فَأَذِنَ النَّاظِرُ لِحُصَرِيٍّ أَنْ يَكْسُوَ الْمَسْجِدَ وَيُكَوُّنَّ ثَمَنُ الْحَصِيرِ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ فَفَعَلَ وَعُزِلَ النَّاظِرُ ثُمَّ تَوَلَّى نَاظِرٌ وَهُوَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>