انْفِسَاخِهَا بِزِيَادَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا وَأَنْفَذَ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَ غِبَّ حَادِثَةٍ وَدَعْوَى شَرْعِيَّةٍ وَشَهَادَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ وَكَتَبَ بِذَلِكَ حُجَّةً أُخْرَى ثُمَّ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ ادَّعَى النَّاظِرُ الْمَذْكُورُ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمَزْبُورَةَ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَأَحْضَرَ لِلشَّهَادَةِ بِذَلِكَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا فَهَلْ يُنْتَقَضُ بِشَهَادَتِهِمْ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ الْمَزْبُورَةُ أَوْ لَا؟
(الْجَوَابُ) : الْإِجَارَةُ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ غَيْرُ جَائِزَةٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَحَيْثُ ثَبَتَ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ زِيَادَةُ ضَرَرٍ وَتَعَنُّتٍ فَلَا تُقْبَلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ قَالَ فَإِنْ كَانَ إضْرَارًا وَتَعَنُّتًا لَمْ تُقْبَلْ اهـ أَيْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَأَمَّا دَعْوَى النَّاظِرِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَلَا يَخْلُو أَمْرُهُ وَأَمْرُ شُهُودِهِ إمَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ حِينَ الْعَقْدِ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَنَّهُ زَادَ السِّعْرُ فِيهِ الْآنَ حِينَ شَهَادَتِهِمْ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَلَا تُقْبَلُ وَلَا عِبْرَةَ لِكَثْرَةِ الشُّهُودِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى عَيْنُ الدَّعْوَى الْأُولَى الَّتِي ادَّعَاهَا حِينَ الْإِيجَارِ مِنْ زَيْدٍ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ حَاكِمَيْنِ حَنَفِيٍّ وَشَافِعِيٍّ وَشُهُودُهُ هَذِهِ تَتَضَمَّنُ نَقْضَ قَضَاءٍ وَالشَّهَادَةُ الَّتِي تَضَمَّنَتْ نَقْضَ قَضَاءٍ تُرَدُّ وَبَيِّنَةُ الْإِثْبَاتِ بِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَنَّهَا بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَعْنِي زِيَادَةَ السِّعْرِ فَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ قِبَلِ مُتَعَنِّتٍ أَوْ رَغْبَةِ رَاغِبٍ لَا تُقْبَلُ كَمَا إذَا زَادَتْ بِأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ مَا اسْتَأْجَرَ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي نَفْسِهَا لِغَلَاءِ سِعْرِهَا عِنْدَ الْكُلِّ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ قَالَ فِي لِسَانِ الْحُكَّامِ مِنْ آخِرِ فَصْلِ الْإِجَارَةِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ إذَا آجَرَ أَرْضَ الْوَقْفِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ يَجُوزُ فَإِنْ ازْدَادَتْ أُجْرَةُ مِثْلِهَا بِتَغَيُّرِ سِعْرِهَا أَوْ كَثْرَةِ الرَّغَبَاتِ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ ذَلِكَ الْعَقْدَ وَيَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ ثَانِيًا وَفِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ يَجِبُ الْمُسَمَّى بِقَدْرِهِ فَقَطْ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَجِبُ الْعَقْدُ ثَانِيًا عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ كَمَا زَادَتْ.
كَذَا ذَكَرَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ، وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْإِمَامِ السُّرُوجِيِّ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ لَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ هِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَإِنْ زَادَتْ بَدْرَةً وَالْبَدْرَةُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْإِسْعَافِ رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَرْضَ وَقْفٍ مِنْ الْمُتَوَلِّي مُدَّةَ ثَلَاثِ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ هِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَلَمَّا دَخَلَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ كَثُرَ رَغَبَاتُ النَّاسِ فِي الْمَأْجُورِ فَزَادَتْ الْأُجْرَةُ فِيهَا قَالُوا لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ بِنُقْصَانِ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْعَقْدِ لَا غَيْرُ فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى حَالَةَ الْعَقْدِ أَجْرَ الْمِثْلِ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بَعْدَ ذَلِكَ. اهـ. . وَفِي حَاوِي الْحَصِيرِيِّ لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ صَحَّ وَزِيَادَةُ الرَّغْبَةِ فِي الْأُجْرَةِ بِمَنْزِلَةِ زِيَادَةِ السِّعْرِ فِي الْقِيمَةِ ثُمَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُفْسِدٍ فَكَذَا هَذَا قَالَ مَوْلَانَا إنْ زَادَ زِيَادَةً فَاحِشَةً كَانَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ وَالزِّيَادَةُ الْفَاحِشَةُ مِقْدَارُهَا نِصْفُ الَّذِي آجَرَ بِهِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً حَيْثُ وُجِدَتْ الْمَنْفَعَةُ فَكَأَنَّهُ آجَرَ مِنْهُ هَذِهِ السَّاعَةَ بِنُقْصَانٍ فَاحِشٍ، وَلَا كَذَلِكَ الْبَيْعُ إذَا تَغَيَّرَ سِعْرُ الْمَبِيعِ اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا زَادَ أَجْرُ مِثْلِهَا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ فَعَلَى فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَعَلَى رِوَايَةِ شُرَّاحِ الطَّحَاوِيِّ يُفْسَخُ وَيُجَدَّدُ الْعَقْدُ، وَحَكَى الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى تَصْحِيحَ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْمِنَحِ إذَا زَادَ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِيدَ أَحَدٌ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُهَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَمَا لَمْ يُفْسَخْ كَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى كَمَا فِي الصُّغْرَى وَكَذَا فِي الْفَوَائِدِ الزَّيْنِيَّةِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَقَالَ الْعَلَائِيُّ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِأَنْ أَخْبَرَ الْقَاضِيَ ذُو خِبْرَةٍ أَنَّهَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَسَخَهَا وَتُقْبَلُ الزِّيَادَةُ وَإِنْ شَهِدُوا وَقْتَ الْعَقْدِ أَنَّهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَتْ إضْرَارًا وَتَعَنُّتًا لَمْ تُقْبَلْ، وَإِنْ كَانَتْ لِزِيَادَةِ أَجْرِ الْمِثْلِ فَالْمُخْتَارُ قَبُولُهَا فَيَفْسَخُهَا الْمُتَوَلِّي فَإِنْ امْتَنَعَ فَالْقَاضِي، وَالْمُسْتَأْجِرُ أَحَقُّ إنْ قِبَلهَا وَلَزِمَهُ الزِّيَادَةُ مِنْ وَقْتِ قَبُولِهَا فَقَطْ وَإِنْ أَنْكَرَ زِيَادَةَ أَجْرِ الْمِثْلِ وَادَّعَى أَنَّهَا إضْرَارٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ زَادَ أَجْرُ الْمِثْلِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُزِيدَ أَحَدٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute