حَلَفَ رَجُلٌ بِطَلَاقٍ ثَلَاثٍ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ أَحَدُهُمْ حَلَّاقٌ وَزَكَّاهُمْ مُزَكُّونَ فَتَعَلَّلَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِأَنَّ أَحَدَ الشُّهُودِ حَلَّاقٌ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِسَبَبِ حِرْفَتِهِ وَأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الشُّهُودِ وَالْمُزَكِّينَ خُصُومَةٌ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ قَبْلَ الْحَلْفِ تَشَاجَرَ مَعَهُمْ عَلَى قِمَارٍ وَلَعِبٍ فَكَيْفَ الْحُكْمُ؟
(الْجَوَابُ) : الْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى أَمَّا تَعَلُّلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِكَوْنِ أَحَدِ الشُّهُودِ حَلَّاقًا فَلَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ كَوْنِهِ عَدْلًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَصُّ عِبَارَتِهَا وَشَهَادَةُ أَهْلِ الصِّنَاعَاتِ جَائِزَةٌ إذَا كَانُوا عُدُولًا ثُمَّ قَالَ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ الْمُجَوِّزُ الْعَدَالَةُ وَقَدْ وُجِدَتْ اهـ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَيْسَ مِنْهَا أَيْ مِنْ مُسْقِطَاتِ الْعَدَالَةِ الصِّنَاعَاتُ الدَّنِيئَةِ كَالْقَنَوَاتِيِّ وَالزَّبَّالِ وَالْحَائِكِ وَالصَّحِيحُ الْقَبُولُ إنْ كَانَ عَدْلًا اهـ فَثَبَتَ أَنَّ شَهَادَةَ الْحَلَّاقِ صَحِيحَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا وَأَمَّا تَعَلُّلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِكَوْنِ الْمُزَكِّينَ أَخْصَامًا يَعْنِي أَعْدَاءً لَهُ فَإِنَّ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ شَهَادَةٌ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ سِوَى لَفْظِ أَشْهَدُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ فَإِذَا كَانَتْ شَهَادَةٌ وَطَعَنَ فِيهَا الْخَصْمُ بِأَنَّهُمْ أَعْدَاءٌ لِي عَدَاوَةً دُنْيَوِيَّةً وَأَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِوَجْهِهِ الشَّرْعِيِّ فَقَدْ بَطَلَتْ تَزْكِيَتُهُمْ وَبَقِيَ الشُّهُودُ بِلَا تَزْكِيَةٍ وَلَا يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمْ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ وَالْعَدُوُّ مَنْ يَفْرَحُ بِحُزْنِهِ وَيَحْزَنُ لِفَرَحِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْخُصُومَةُ إذَا جَرَتْ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهِيَ دُنْيَوِيَّةٌ وَلَوْ ادَّعَى شَخْصٌ عَدَاوَةَ آخَرَ يَكُونُ مُجَرَّدُ دَعْوَاهُ اعْتِرَافًا مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي عَدَالَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ عَدُوُّهُ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ عَدُوٌّ لَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَنَقَلَ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّ الْعَدَاوَةَ بِسَبَبِ الدُّنْيَا لَا تَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْسُقْ بِسَبَبِهَا أَوْ يَجْلِبْ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعْ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ مَضَرَّةً وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ اهـ.
فَفِي الْحَادِثَةِ الْمَسْئُولُ عَنْهَا رُبَّمَا أَنَّهُ فَسَقَ بِهَا إذْ الْعَدَاوَةُ جَرَتْ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا قَالَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ قِمَارٍ وَلَعِبٍ مُحَرَّمَيْنِ شَرْعًا وَلَكِنْ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ فَسَقَ بِهَا أَوْ لَا وَالْحَدِيثُ الشَّرِيفُ شَاهِدٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مَرْفُوعًا «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» وَالْغَمَرُ الْحِقْدُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الْحِقْدَ فِسْقٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَصَرَّحَ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ بِعَدَمِ نَفَاذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ وَالْمَسْأَلَةُ دَوَّارَةٌ فِي الْكُتُبِ اهـ فَإِذَا أَثْبَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعَدَاوَةَ ثُبُوتًا شَرْعِيًّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَتَجْرِي الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالتَّزْكِيَةِ الْمَذْكُورَةِ لِثُبُوتِ عَدَاوَتِهِمْ بِالسَّبَبَيْنِ الْمَرْقُومَيْنِ الْمُحَرَّمَيْنِ شَرْعًا وَسَبَبُ الْحِقْدِ أَنَّهُمْ مِمَّنْ يَفْرَحُونَ بِحُزْنِهِ وَيَحْزَنُونَ لِفَرَحِهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لَنَا مِمَّا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا رَوَّحَ اللَّهُ أَرْوَاحَهُمْ بِدَارِ السَّلَامِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.
(أَقُولُ) وَفِي الْبَحْرِ عَنْ ابْنِ وَهْبَانَ قَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالشُّهُودِ أَنَّ كُلَّ مَنْ خَاصَمَ شَخْصًا فِي حَقٍّ وَادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا أَنَّهُ يَصِيرُ عَدُوَّهُ فَيَشْهَدُ بَيْنَهُمَا بِالْعَدَاوَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعَدَاوَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْت نَعَمْ لَوْ خَاصَمَ الشَّخْصُ آخَرَ فِي حَقٍّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ كَالْوَكِيلِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِيمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ إذَا تَخَاصَمَ اثْنَانِ فِي حَقٍّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُخَاصَمَةِ اهـ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ بَابِ مَا يُبْطِلُ دَعْوَى الْمُدَّعِي رَجُلٌ خَاصَمَ رَجُلًا فِي دَارٍ أَوْ فِي حَقٍّ ثُمَّ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ شَهِدَ عَلَيْهِ فِي حَقٍّ آخَرَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا اهـ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ آخَرُ فَخَاصَمَهُ فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يَمْتَنِعُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّهُ دَفَعَ لَهُ كَذَا لِئَلَّا يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَطَلَبَ الرَّدَّ وَأَثْبَتَ دَعْوَاهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ فَحِينَئِذٍ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ وَهُوَ جَرْحٌ مَقْبُولٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ اهـ وَفِي فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ التُّمُرْتَاشِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute