للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِقْرَارِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَالدَّعْوَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِبَعْضِ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِقْرَارِ لَا تَصِحُّ

وَالثَّانِي أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ جَائِزٌ وَعَلَى غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ إذَا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ كَانَ الْبِنَاءُ وَالْأَرْضُ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ بِنَاءُ هَذِهِ الدَّارِ لِي فَقَدْ ادَّعَى لِنَفْسِهِ فَلَمَّا قَالَ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ فَقَدْ جُعِلَ مُقِرًّا بِالْبِنَاءِ لِلْمُقَرِّ لَهُ تَبَعًا لِلْإِقْرَارِ بِالْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ إلَّا أَنَّ الْإِقْرَارَ بَعْدَ الدَّعْوَى لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ قَالَ لِي وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَوَّلًا أَرْضُهَا لِي فَقَدْ ادَّعَى الْأَرْضَ لِنَفْسِهِ وَادَّعَى الْبِنَاءَ أَيْضًا لِنَفْسِهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ فَقَدْ أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِالْبِنَاءِ بَعْدَمَا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَالْإِقْرَارُ بَعْدَ الدَّعْوَى صَحِيحٌ فَيَكُونُ لِفُلَانٍ الْبِنَاءُ دُونَ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِلْبِنَاءِ وَإِنْ قَالَ أَرْضُهَا لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِي كَانَ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ بِالْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ أَوَّلًا أَرْضُهَا لِفُلَانٍ فَقَدْ جُعِلَ مُقِرًّا بِالْبِنَاءِ فَلَمَّا قَالَ بِنَاؤُهَا لِي فَقَدْ ادَّعَى لِنَفْسِهِ بَعْدَ مَا أَقَرَّ لِغَيْرِهِ وَالدَّعْوَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِبَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ الْإِقْرَارُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ قَالَ أَرْضُهَا لِفُلَانٍ وَبِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ كَانَ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ مُقِرًّا لِلْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ بِالْبِنَاءِ.

فَإِذَا قَالَ بِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ جُعِلَ مُقِرًّا عَلَى الْأَوَّلِ لَا عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ إقْرَارَ الْمُقِرِّ عَلَى نَفْسِهِ جَائِزٌ وَعَلَى غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَالَ بِنَاؤُهَا لِفُلَانٍ وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ آخَرَ كَانَ كَمَا قَالَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْبِنَاءِ أَوَّلًا صَحَّ إقْرَارُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ فَإِذَا أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْأَرْضِ لِغَيْرِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبِنَاءِ لِذَلِكَ الْغَيْرِ تَبَعًا لِلْإِقْرَارِ بِالْأَرْضِ فَيَكُونُ مُقِرًّا عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُقَرُّ لَهُ الْأَوَّلُ وَإِذَا أَقَرَّ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ لَا يَصِحُّ وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ هَذَا الْخَاتَمُ لِي إلَّا فَصَّهُ فَإِنَّهُ لَك أَوْ قَالَ هَذِهِ الْمِنْطَقَةُ لِي إلَّا حِلْيَتَهَا فَإِنَّهَا لَك أَوْ قَالَ هَذَا السَّيْفُ لِي إلَّا حِلْيَتَهُ أَوْ قَالَ إلَّا حَمَائِلَهُ فَإِنَّهُ لَك أَوْ قَالَ هَذِهِ الْجُبَّةُ لِي إلَّا بِطَانَتَهَا فَإِنَّهَا لَك وَالْمُقَرُّ لَهُ يَقُولُ هَذِهِ الْجُبَّةُ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ فَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي نَزْعِ الْمُقَرِّ بِهِ ضَرَرٌ لِلْمُقِرِّ يُؤْمَرُ الْمُقِرُّ بِالنَّزْعِ وَالدَّفْعِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَإِنْ كَانَ فِي النَّزْعِ ضَرَرٌ وَأَحَبَّ الْمُقِرُّ أَنْ يُعْطِيَهُ قِيمَةَ مَا أَقَرَّ بِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَخِيرَةٌ مِنْ الْإِقْرَارِ.

(سُئِلَ) فِيمَا إذَا أَقَرَّ زَيْدٌ فِي صِحَّتِهِ وَجَوَازِ أَمْرِهِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ قِبَلَ عَمْرٍو حَقًّا مُطْلَقًا وَأَبْرَأَ ذِمَّتَهُ وَالْآنَ يُرِيدُ الدَّعْوَى عَلَى عَمْرٍو بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْإِقْرَارِ الْمَزْبُورِ فَهَلْ إذَا ثَبَتَ إقْرَارُهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ الْمَزْبُورَةُ؟

(الْجَوَابُ) : نَعَمْ كَمَا فِي الْخَيْرِيَّةُ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ.

(سُئِلَ) فِيمَا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ الذِّمِّيِّ بِذِمَّةِ عَمْرٍو مَبْلَغُ دَيْنٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَهَلَكَ عَمْرٌو عَنْ وَرَثَةٍ وَتَرِكَةٍ طَالَبَ زَيْدٌ وَرَثَةَ عَمْرٍو بِدَيْنِهِ الْمَزْبُورِ فَأَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِالدَّيْنِ وَجَحَدَ الْبَاقُونَ وَيُوفِي مَا وَرِثَهُ بِهِ وَقَدْ قَبَضَهُ زَيْدٌ مِنْ الْمُقِرِّ وَالْآنَ يُرِيدُ الْمُقِرُّ اسْتِرْدَادَهُ مِنْهُ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَهَلْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟

(الْجَوَابُ) : نَعَمْ لَيْسَ لَهُ اسْتِرْدَادُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لِلْمُدَّعِي بِهِ عَلَى مُوَرِّثِهِ وَجَحَدَهُ الْبَاقُونَ يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ كُلُّهُ يَعْنِي إنْ وَفَى مَا وَرِثَهُ بِهِ بُرْهَانٌ وَشَرْحُ الْمَجْمَعِ وَقِيلَ حِصَّتُهُ وَاخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَلَوْ شَهِدَ هَذَا الْمُقِرُّ مَعَ آخَرَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ قُبِلَتْ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ فِي نَصِيبِهِ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ بَلْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فَلْتُحْفَظْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ دُرَرٌ كَذَا فِي شَرْحِ التَّنْوِيرِ لِلْعَلَائِيِّ إذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ بِالدَّيْنِ يُؤْخَذُ جَمِيعُ الدَّيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ عِنْدَنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَتَاوَى التُّمُرْتَاشِيِّ مِنْ الْإِقْرَارِ

(أَقُولُ) الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِهِ عَلَيْهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ فَلَا يَثْبُتُ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا دَفَعَهُ بِرِضَاهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُؤَلِّفُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مَا يُلْزِمُهُ بِهِ الْقَاضِي فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ عَلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ لِتَصْحِيحِ شَهَادَتِهِ مَعَ آخَرَ بِمَا أَقَرَّ بِهِ إذْ لَوْ حَلَّ الدَّيْنُ فِي نَصِيبِهِ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>