أَبْنِيَةٌ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الشَّجَرَةِ الْعَظِيمَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَبْنِيَةُ فِي نَاحِيَةِ الْأَرْضِ جَازَتْ الْإِجَارَةُ فَإِنْ كَانَتْ فِي نَاحِيَةِ الْأَرْضِ فَرُفِعَتْ الْأَبْنِيَةُ يَدْخُلُ مَا تَحْتَهَا تَحْتَ الْعَقْدِ وَكَذَا الشَّجَرَةُ قَاضِي خَانْ فِي الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فِي نَوْعٍ آخَرَ فِي الضِّيَاعِ وَالْحَانُوتِ وَالْمُسْتَغِلَّاتِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ ضِيَاعًا بَعْضُهَا فَارِغَةٌ وَبَعْضُهَا مَشْغُولَةٌ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ فِيمَا كَانَ فَارِغًا وَلَا تَجُوزُ فِيمَا كَانَ مَشْغُولًا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ قَالَ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ فِيمَا كَانَ فَارِغًا وَلَمْ يَقُلْ تَجُوزُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ مَشْغُولًا بِالشَّجَرِ؛ لِأَنَّ ثَمَّةَ قَدْرَ مَا يَكُونُ مَشْغُولًا بِعُرُوقِ الشَّجَرِ غَيْرُ مَعْلُومٍ اهـ مِنْ فَتَاوَى الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ أَيْضًا
(أَقُولُ) مُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ إيجَارُ الدَّارِ الْمَشْغُولَةِ بِالْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ لَا تُخِلُّ بِالسُّكْنَى بِخِلَافِ الزِّرَاعَةِ فَإِنَّهَا تَتَعَطَّلُ بِظِلِّ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبُتُ مَا تَحْتَهُ وَلِذَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ إذَا كَانَتْ الْأَشْجَارُ فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ عَلَى الْمُسَنَّاةِ أَوْ كَانَتْ شَجَرَةٌ صَغِيرَةٌ أَوْ شَجَرَتَانِ فِي وَسَطِهَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ الْمَذْكُورِ وَلَا ضَرَرَ فِي الدَّارِ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْ.
(سُئِلَ) فِي بُسْتَانٍ جَارٍ فِي وَقْفٍ أَجَّرَهُ وَكِيلٌ عَنْ نَاظِرِهِ مِنْ زَيْدٍ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ سَاقَاهُ عَلَى الْغِرَاسِ الْقَائِمِ بِهِ مُدَّةَ التَّوَاجُرِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ حَقَّ الْعَمَلِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ سَهْمٌ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ وَالْبَاقِي لِلْمُسْتَأْجِرِ وَصَدَرَ ذَلِكَ لَدَى حَاكِمٍ حَنَفِيٍّ فَهَلْ الْإِجَارَةُ وَالْمُسَاقَاةُ فَاسِدَتَانِ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَانُوتِيُّ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ سُئِلَ عَنْ نَاظِرٍ آجَرَ أَرْضًا مِنْ جِهَاتِ الْوَقْفِ مُشْتَمِلَةً عَلَى أَشْجَارٍ وَنَخِيلٍ وَغَيْرِهَا مِنْ شَخْصَيْنِ إجَارَةً صَحِيحَةً وَتَصَادَقَ مَعَهُمَا عَلَى أَنَّ الْأَشْجَارَ النَّابِتَةَ فِي الْأَرْضِ فِيهَا قَدِيمٌ وَجَدِيدٌ فَالْقَدِيمُ جَمِيعُهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَرُبُعُ الْمُسْتَجِدِّ لِجِهَةِ الْوَقْفِ أَيْضًا وَالثَّلَاثَةُ الْأَرْبَاعُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْأَشْجَارِ الْمُسْتَجِدَّةِ لِلْمُسْتَأْجَرَيْنِ وَلَمْ تُمَيَّزْ الْقَدِيمَةُ مِنْ الْمُسْتَجِدَّةِ وَلَمْ يَعْرِفْ كُلٌّ مِنْ الْمُتَصَادِقَيْنِ ذَلِكَ وَسَاقُوا عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً مَعْلُومَةً وَانْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِيجَارِ وَالْمُسَاقَاةِ فَأَجَّرَ النَّاظِرُ الْأَرْضَ الْمَذْكُورَةَ مُدَّةً تَالِيَةً لِلْمُدَّةِ الْأُولَى وَسَاقَى عَلَى ذَلِكَ جَمِيعَهُ أَيْ جَمِيعَ أَشْجَارِ الْغَلِيظِ فَهَلْ تَصَادُقُ النَّاظِرِ مَعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ وَتَمْيِيزِهِ لِمَا ذُكِرَ صَحِيحٌ أَمْ لَا
الْجَوَابُ الْإِجَارَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِالْأَشْجَارِ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي وَسَطِهَا وَكَانَتْ شَجَرَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ وَالْمُسَاقَاةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ تُعَيَّنْ الْأَشْجَارُ الَّتِي وَقَعَتْ الْمُسَاقَاةُ عَلَيْهَا وَالتَّصَادُقُ مِنْ النَّاظِرِ أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ عَلَى الْوَقْفِ وَإِقْرَارُ النَّاظِرِ عَلَى الْوَقْفِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَمَّا مَا يُفْعَلُ الْآنَ مِنْ الْإِجَارَةِ ثُمَّ الْمُسَاقَاةِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.
أَمَّا لَوْ قَدَّمَ الْمُسَاقَاةَ ثُمَّ أُوجِرَتْ الْأَرْضُ مِنْ الْمُسَاقِي فَيَجُوزُ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْإِجَارَةِ فِي أَوَّلِ وَرَقَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَشْجَارَ صَارَتْ لَهُ اسْتِحْقَاقًا فَلَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ مَشْغُولَةً بِغَيْرِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَهَلْ يَلْزَمُ مِنْ فَسْخِ الْإِجَارَةِ فَسْخُ الْمُسَاقَاةِ قَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ قَارِئُ الْهِدَايَةِ قَبْلَ الْآخِرِ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ وَتَكَلَّمَ بَعْدَهُ عَلَى الْمُسَاقَاةِ بِوَجْهٍ آخَرَ فَرَاجِعْ الْمَحَلَّيْنِ. اهـ.
(أَقُولُ) وَنَقَلَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ عَنْ مُصَنَّفِ التَّنْوِيرِ مَا نَصُّهُ وَأَفَادَ فَسَادُ مَا يَقَعُ كَثِيرًا مِنْ أَخْذِ كَرْمِ الْوَقْفِ أَوْ الْيَتِيمِ مُسَاقَاةً فَيَسْتَأْجِرُ أَرْضَهُ الْخَالِيَةَ مِنْ الْأَشْجَارِ بِمَبْلَغٍ كَثِيرٍ وَيُسَاقِي عَلَى أَشْجَارِهِ بِسَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ فَالْحَظُّ ظَاهِرٌ فِي الْإِجَارَةِ لَا فِي الْمُسَاقَاةِ فَمُفَادُهُ فَسَادُ الْمُسَاقَاةِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدٌ عَلَى حِدَتِهِ اهـ وَكَتَبْت هُنَا فِي حَاشِيَتِي رَدِّ الْمُحْتَارِ عَنْ فَتَاوَى الْحَانُوتِيِّ أَنَّ التَّنْصِيصَ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى بَيَاضِ الْأَرْضِ لَا يُفِيدُ الصِّحَّةَ حَيْثُ تَقَدَّمَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَى عَقْدِ الْمُسَاقَاةِ أَمَّا إذَا تَقَدَّمَ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ بِشُرُوطِهِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا فَسَدَتْ صَارَتْ الْأُجْرَةُ غَيْرَ مُسْتَحَقَّةٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَالْمُسْتَحَقُّ إنَّمَا هُوَ الثَّمَرَةُ فَقَطْ وَحَيْثُ فَسَدَتْ الْمُسَاقَاةُ لِكَوْنِهَا بِجُزْءٍ يَسِيرٍ لِجِهَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute