مِنْ رَجُلٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ هِيَ دُونَ أُجْرَةِ مِثْلِهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ثُمَّ زَادَ رَجُلٌ آخَرُ فِي أُجْرَتِهَا زِيَادَةً مُعْتَبَرَةً نَحْوَ نِصْفِ الْأُجْرَةِ الْمَرْقُومَةِ هِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهَا وَيُرِيدُ الْمُتَكَلِّمُ عَلَيْهَا إيجَارَهَا مِنْهُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ أَرَاضِيَ بَيْتِ الْمَالِ يُسْلَكُ بِهَا مَسَالِكَ أَرْضِ الْوَقْفِ خَيْرِيَّةٌ مِنْ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ وَفِيهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجِبُ مُرَاعَاةُ مَصْلَحَةِ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا تَجِبُ مُرَاعَاةُ مَالِ الْيَتِيمِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ غَيْرُ خَافٍ عَلَى فَقِيهٍ وَفِيهَا أَيْضًا نُزِّلَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ مَنْزِلَةَ وَالِي الْيَتِيمِ وَفِيهَا أَيْضًا لِلتَّيْمَارِيِّ إجَارَتُهَا شَرْعًا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي فَتَاوَاهُ كَأَرْضِ الْوَقْفِ. اهـ. لَكِنْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُؤَجِّرُهَا التَّيْمَارِيُّ مِمَّنْ زَادَ بِالزِّيَادَةِ الْمَزْبُورَةِ مِنْ غَيْرِ عَرْضٍ عَلَى الْأَوَّلِ إذْ الْإِجَارَةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ لِكَوْنِهَا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ وَفِي الْفَاسِدَةِ تُؤَجَّرُ مِنْ غَيْرِ عَرْضٍ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ وَفِي الْخَيْرِيَّةِ أَيْضًا مِنْ الدَّعْوَى أَنَّ أَرَاضِيَ بَيْتِ الْمَالِ جَرَتْ عَلَى رَقَبَتِهَا أَحْكَامُ الْوُقُوفِ الْمُؤَبَّدَةِ. اهـ.
(أَقُولُ) مُقْتَضَى هَذَا أَنَّ أَرَاضِيَ بَيْتِ الْمَالِ لَا تُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ كَأَرَاضِي الْوَقْفِ وَالْيَتِيمِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا فِي فَتَاوَى الْكَازَرُونِيِّ عَنْ فَتَاوَى الْمُرْشِدِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا كَوْنُ أَرَاضِيِ بَيْتِ الْمَالِ هَلْ تُؤَجَّرُ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً فَلَمْ أَجِدْ مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يُقَيِّدُوهَا بِالْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ كَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْأَوْقَافِ وَأَرْضِ الْيَتِيمِ وَإِطْلَاقُهُمْ يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِجَارَةِ مُطْلَقًا قَلَّتْ الْمُدَّةُ أَوْ كَثُرَتْ وَأَيْضًا اتِّسَاعُهُمْ فِي جَوَازِ الصَّرْفِ لِلْإِمَامِ فِي الْبَيْعِ وَالْإِقْطَاعَاتِ يُفِيدُ جَوَازَ ذَلِكَ. اهـ. وَقَدْ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ تَحْتَ قَوْلِ الْمَاتِنِ وَلَا تُزَادُ فِي الْأَوْقَافِ عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ إلَى أَنْ قَالَ مَا نَصُّهُ وَأَقُولُ أَيْضًا وَمِثْلُ عَقَارِ الْيَتِيمِ عَقَارُ بَيْتِ الْمَالِ فَتَأَمَّلْ. اهـ.
(سُئِلَ) فِي أَمَاكِنَ مُعَدَّةٍ لِلِاسْتِغْلَالِ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ هِنْدٍ وَجَمَاعَةٍ بِيَدِهِمْ تِلْكَ الْأَمَاكِنُ يُؤَجِّرُونَهَا وَيَأْخُذُونَ جَمِيعَ أُجْرَتِهَا لِأَنْفُسِهِمْ بِلَا وَكَالَةٍ عَنْ هِنْدٍ فِي حِصَّتِهَا وَلَا إجَازَةٍ مِنْهَا وَلَا وَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَمَضَى لِذَلِكَ مُدَّةٌ وَالْآنَ تُرِيدُ هِنْدٌ مُطَالَبَتَهُمْ بِأُجْرَةِ نَصِيبِهَا وَاسْتِرْدَادِ ذَلِكَ مِمَّا قَبَضُوهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَهَلْ لَهَا ذَلِكَ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ الْغَاصِبُ إذَا أَجَّرَ مَا مَنَافِعُهُ مَضْمُونَةٌ مِنْ مَالِ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ أَوْ مُعَدٍّ لِلِاسْتِغْلَالِ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسَمَّى لَا أَجْرُ الْمِثْلِ وَلَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ أَجْرُ الْمِثْلِ إنَّمَا يَرُدُّ مَا قَبَضَهُ أَشْبَاهٌ مِنْ الْغَصْبِ وَمِثْلُهُ فِي الْعَلَائِيِّ
(أَقُولُ) أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْقُنْيَةِ وَعِبَارَتُهَا وَلَوْ غَصَبَ دَارًا مُعَدَّةً لِلِاسْتِغْلَالِ أَوْ مَوْقُوفَةً أَوْ لِيَتِيمٍ وَآجَرَهَا وَسَكَنَهَا الْمُسْتَأْجِرُ يَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى لَا أَجْرُ الْمِثْلِ قِيلَ لَهُ وَهَلْ يَلْزَمُ الْغَاصِبَ الْأَجْرُ لِمَنْ لَهُ الدَّارُ فَكَتَبَ لَا وَلَكِنْ يَرُدُّ مَا قَبَضَ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ الْأَوْلَى ثُمَّ سُئِلَ أَيَلْزَمُ الْمُسَمَّى لِلْمَالِكِ أَوْ لِلْعَاقِدِ فَقَالَ لِلْعَاقِدِ وَلَا يَطِيبُ لَهُ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى الْمَالِكِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَتَصَدَّقُ بِهِ اهـ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْمُؤَلِّفُ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُسَمَّى لِلْعَاقِدِ يَعْنِي الْغَاصِبَ وَأَنَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَالِكِ أَوْلَى.
لَكِنْ كَتَبْت فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ مَا نَصُّهُ بَعْدَ سَوْقِ عِبَارَةِ الْقُنْيَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَمَّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَعَلَى الْغَاصِبِ أَجْرُ الْمِثْلِ اهـ أَيْ إنْ كَانَ مَا قَبَضَهُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرَ الْمِثْلِ أَوْ دُونَهُ فَلَوْ أَكْثَرَ يَرُدُّ الزَّائِدَ أَيْضًا لِعَدَمِ طِيبِهِ لَهُ كَمَا حَرَّرَهُ الْحَمَوِيُّ وَأَقَرَّهُ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ. اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالْقُنْيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ عَدَمِ تَحَقُّقِ غَصْبِ الْعَقَارِ مُطْلَقًا وَالْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَحَقُّقُهُ فِي الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَالْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ فَيَضْمَنُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ سَوَاءٌ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهَا أَوْ عَطَّلَهَا فَيَضْمَنُ الشُّرَكَاءُ فِي مَسْأَلَتِنَا حِصَّةَ هِنْدٍ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ أَنَّ مَنَافِعَ الْغَصْبِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ اسْتَوْفَاهَا أَوْ عَطَّلَهَا إلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ لَا يُقَالُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْمُعَدِّ لِلِاسْتِغْلَالِ مَا لَوْ سَكَنَ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ أَوْ عَقْدٍ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ