وَلَايَةٌ فَالْحَقُّ بِالْبَالِغِ فِي النَّفْعِ الْمَحْضِ وَبِالطِّفْلِ فِي الضَّرَرِ الْمَحْضِ وَفِي الدَّائِرِ بَيْنَهُمَا بِالطِّفْلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ وَبِالْبَالِغِ عِنْدَ الْإِذْنِ لِرُجْحَانِ جِهَةِ النَّفْعِ عَلَى الضَّرَرِ بِدَلَالَةِ الْإِذْنِ لَكِنْ قَبْلَ الْإِذْنِ يَكُونُ مُنْعَقِدًا مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِصَيْرُورَتِهِ مُهْتَدِيًا إلَى وُجُوهِ التِّجَارَاتِ حَتَّى لَوْ بَلَغَ فَأَجَازَهُ نَفَذَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ.
لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ فَصَارَ وَلِيًّا بِنَفْسِهِ مِنَحٌ مِنْ الْمَأْذُونِ، وَمِثْلُهُ فِي الدُّرِّ، وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعَقْدَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ إذَا كَانَ لَهُ مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا يَتَوَقَّفُ وَبَطَلَ. . . إلَخْ فُصُولُ الْعِمَادِيَّةِ مِنْ الرَّابِعِ، وَالْعِشْرِينَ فِي تَصَرُّفَاتِ الْفُضُولِيِّ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ وَلِيٌّ وَلَمْ يُجِزْهُ وَإِلَّا بَطَلَ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
(أَقُولُ) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ الْمَذْكُورِ وَلِيٌّ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا كَانَ لَهُ مُجِيزٌ حَالَةَ الْعَقْدِ أَيْ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ الْعَقْدِ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ قَاضٍ فَلَوْ عَقَدَ الصَّبِيُّ عَقْدًا وَلَا وَلِيَّ لَهُ يَتَوَقَّفُ لِأَنَّ لَهُ مُجِيزًا وَهُوَ الْقَاضِي إذَا كَانَ الصَّبِيُّ تَحْتَ وَلَايَةِ قَاضٍ وَكَانَ الْعَقْدُ قَابِلًا لِلْإِجَازَةِ وَإِلَّا فَهُوَ بَاطِلٌ كَذَا كُنْتُ أَفْهَمُ هَذَا الْمَحَلَّ ثُمَّ رَاجَعْتُ فَتَحَقَّقَ لِي ذَلِكَ طِبْقَ مَا كُنْت أَفْهَمُهُ قَالَ الْإِمَامُ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي كِتَابِهِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ مَا نَصُّهُ " وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَبِيَّةٌ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ كُفْءٍ وَهِيَ تَعْقِلُ النِّكَاحَ وَلَا وَلِيَّ لَهَا فَالْعَقْدُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَاضٍ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ تَحْتَ وَلَايَةِ قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ يَنْعَقِدُ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ ذَلِكَ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ تَحْتَ وَلَايَةِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَنْعَقِدُ.
وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمُجِيزِ الْوَلِيَّ الْخَاصَّ بَلْ مَا يَعُمُّ الْقَاضِيَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَقْدُ قَابِلًا لِلْإِجَازَةِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ امْرَأَتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَبْطُلُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلِيٌّ خَاصٌّ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لَهُ أَيْ لَا يَقْبَلُ الْإِجَازَةَ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ الْوَصِيُّ نَفْسُهُ لَمْ يَصِحَّ فَكَذَا لَا تَصِحُّ إجَازَتُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا تَمَامُ عِبَارَةِ الْعِمَادِيَّةِ فِي بَيَانِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ وَذُكِرَ ذَلِكَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَيْضًا فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فَقَالَ بَيَانُهُ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ لَوْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا يَجُوزُ عَلَيْهِ لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ فِي صِغَرِهِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَتَزَوُّجٍ وَتَزْوِيجِ أَمَتِهِ وَكِتَابَةِ قِنِّهِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا فَعَلَهُ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ وَلِيِّهِ مَا دَامَ صَبِيًّا وَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ إجَازَةِ وَلِيِّهِ فَأَجَازَهُ بِنَفْسِهِ جَازَ وَلَمْ يَجُزْ بِنَفْسِ الْبُلُوغِ بِلَا إجَازَةٍ وَلَوْ طَلَّقَ الصَّبِيُّ امْرَأَتَهُ أَوْ خَلَعَهَا أَوْ حَرَّرَ قِنَّهُ مَجَّانًا أَوْ بِعِوَضٍ أَوْ وَهَبَ مَالَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ زَوَّجَ قِنَّهُ امْرَأَةً أَوْ بَاعَ مَالَهُ مُحَابَاةً فَاحِشَةً أَوْ شَرَى شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَاحِشًا أَوْ عَقَدَ عَقْدًا مِمَّا لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ فِي صِبَاهُ لَمْ يَجُزْ عَلَيْهِ فَهَذِهِ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَجَازَهَا الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ تَجُزْ لِأَنَّهُ لَا مُجِيزَ لَهَا وَقْتَ الْعَقْدِ فَلَمْ تَتَوَقَّفْ عَلَى الْإِجَازَةِ إلَّا إذَا كَانَ لَفْظُ إجَازَتِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ مَا يَصْلُحُ لِابْتِدَاءِ الْعَقْدِ فَيَصِحُّ ابْتِدَاءً لَا إجَازَةً كَقَوْلِهِ: أَوْقَعْتُ ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعِتْقَ فَيَقَعُ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ اهـ.
كَتَبَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ لَوْ فَعَلَهُ وَلِيُّهُ فِي صِغَرِهِ مَا نَصُّهُ " يَدْخُلُ فِي الْوَلِيِّ الْقَاضِي فَافْهَمْ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ أَيْضًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ ذَكَرَ الْأَصْلَ الْمَذْكُورَ وَبَيَانُهُ الَّذِي نَقَلْنَاهُ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُفَسَّرَ الْمُجِيزَ هُنَا بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ الْعَقْدِ لَا بِالْقَابِلِ مُطْلَقًا وَلَا بِالْوَلِيِّ إذْ لَا يُوقَفُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنْ قَبِلَ فُضُولِيٌّ آخَرُ أَوْ وَلِيٌّ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْوَلِيِّ عَلَى إمْضَائِهَا اهـ. فَقَوْلُهُ بِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إمْضَاءِ الْعَقْدِ أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ لَهُ وَلَايَةُ إمْضَائِهِ مِنْ وَلِيٍّ خَاصٍّ أَوْ قَاضٍ لَا مُطْلَقٍ قَابِلٍ سَوَاءً كَانَ فُضُولِيًّا أَوْ وَلِيًّا وَلَا مُجَرَّدِ وُجُودِ الْوَلِيِّ سَوَاءً كَانَ الْعَقْدُ قَابِلًا لِلْإِجَازَةِ كَالْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ غَيْرَ قَابِلٍ كَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ هَذَا وَقَدْ رَأَيْتُ حِينَ كِتَابَتِي هَذَا الْمَحَلَّ بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا مُنْلَا عَلِيٍّ التُّرْكُمَانِيِّ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute