إلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا مُلَخَّصُهُ تُقْسَمُ الْغَرَامَةُ بِقَاعِدَةٍ مُسْتَحْسَنَةٍ فِي بَيَانِ مَا يَلْزَمُ الْمُلَّاكَ مِنْهَا عَلَى حَسَبِ أَمْلَاكِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا قَاطِنِينَ بِهَا أَوْ لَا وَمَا هُوَ عَلَى الرُّءُوسِ عَلَى الْقَاطِنِينَ بِهَا فَقَطْ يُوَزَّعُ عَلَى رُءُوسِهِمْ مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ فَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إذَا قَطَعْنَا الْقَرْيَةَ مِنْ إضَافَةِ الْمُلَّاكِ إلَيْهَا فَلَا يَبْقَى فِيهَا إلَّا دُورُ سَكَنِ السَّاكِنِينَ فَقَطْ فَتَبْقَى مِنْ قَبِيلِ بُيُوتِ التُّرْكُمَانِ، وَالْأَكْرَادِ، وَالْعُرْبَانِ فَلَا يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمْ إلَّا مَا يَطْلُبُهُ السُّلْطَانُ دَامَ مِلْكُهُ كَالْعَوَارِضِ، وَالصِّرْصَارِ، وَالْقِيَامِ بِالضَّيْفِ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُمْ إلَّا عَلَفَ الدَّوَابِّ كَالشَّعِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُمْ فِئَةٌ لَا يَزْرَعُونَ وَلَا يَسْتَغِلُّونَ وَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا جَرِيمَةُ مَا يُتَّهَمُونَ بِهِ مِنْ الْقَتْلِ أَوْ عَدَمِ مُدَافَعَةٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَكَذَا السَّرِقَةُ إذَا جَرَّمُوا بِهَا بِدُونِ قُدْرَةٍ عَلَى دَفْعِهَا عَنْهُمْ وَكَذَا مَا يَأْخُذُهُ الْوَالِي مِنْ الْمُشَاهَرَةِ كُلَّ شَهْرٍ يُوَزَّعُ عَلَى رُءُوسِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الرِّجَالِ مِنْهُمْ دُونَ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ كَالتِّبْنِ، وَالشَّعِيرِ، وَالدَّجَاجِ، وَالْحَطَبِ، وَالذَّخِيرَةِ فَهُوَ عَلَى الْمُلَّاكِ جَمِيعًا بِحَسَبِ أَمْلَاكِهِمْ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا وَوَفِّقْهُمْ لِلْعَدْلِ، وَعَلَى الْإِسْلَامِ تَوَفَّنَا، وَاَللَّهُ الْهَادِي وَعَلَيْهِ اعْتِمَادِي وَهُوَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
(أَقُولُ) حَاصِلُهُ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْقُرَى إنْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ لَا بِاعْتِبَارِ أَمْلَاكِهِمْ بَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْلَاكٌ كَالْأَعْرَابِ، وَالْأَكْرَادِ مِمَّنْ لَا عَقَارَ لَهُمْ فَهُوَ عَلَى الرُّءُوسِ وَإِنْ كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ بِاعْتِبَارِ أَمْلَاكِهِمْ كَالتِّبْنِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْحَطَبِ فَهُوَ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَقَارَاتٌ وَزَرْعٌ لَمْ يُطْلَبُ مِنْهُمْ ذَلِكَ لَكِنَّ قَوْلَهُمْ لِتَحْصِينِ الْأَمْلَاكِ أَوْ الرُّءُوسِ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّخْصِيصَ بِذَلِكَ إذْ قَدْ يَكُونُ أَخْذُ نَحْوِ الدَّرَاهِمِ لِتَحْصِينِ الْأَمْلَاكِ وَأَخْذِ نَحْوِ التِّبْنِ، وَالشَّعِيرِ لِتَحْصِينِ الرُّءُوسِ عَلَى أَنَّ غَالِبَ الْغَرَامَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقُرَى فِي هَذَا الزَّمَانِ لَيْسَتْ لِحِفْظِ أَمْلَاكٍ وَلَا لِحِفْظِ أَبْدَانٍ وَإِنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ ظُلْمٍ وَعُدْوَانٍ فَإِنَّ غَالِبَ مَصَارِفِ الْوَالِي وَأَتْبَاعِهِ وَعِمَارَاتِ مَنْزِلِهِ وَمَنْزِلِ عَسَاكِرِهِ وَمَا يَدْفَعُهُ إلَى رُسُلِ السُّلْطَانِ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوَارِدِينَ بِأَوَامِرَ أَوْ نَوَاهِيَ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كُلُّهُ يَأْخُذُهُ مِنْ الْقُرَى وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ بِالذَّخِيرَةِ تُؤْخَذُ فِي بِلَادِنَا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ وَيَزِيدُ فِيهَا دَرَاهِمَ كَثِيرَةً رِشْوَةً لِأَعْوَانِهِ وَحَوَاشِيهِ مِنْ أَعْيَانِ الْبَلْدَةِ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِقِسْمَةِ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى عَدَدِ فُدُنِ الْقَرْيَةِ وَتَارَةً يَقْسِمُونَهُ عَلَى مِقْدَارِ حَقٍّ بِالشُّرْبِ بِالسَّاعَاتِ الرَّمْلِيَّةِ فَمَنْ كَانَ لَهُ فَدَّانٌ مَثَلًا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ أَوْ مَنْ لَهُ سَاعَةٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا وَكَذَا يَجْعَلُونَ مِنْهَا شَيْئًا عَلَى رِقَابِ الرِّجَالِ السَّاكِنِينَ فِي الْقَرْيَةِ الَّذِينَ لَا مِلْكَ لَهُمْ فِيهَا فَالْقَوْلُ بِالتَّفْصِيلِ الَّذِي هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الْمَارَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي السُّؤَالِ السَّابِقِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ لَا يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْغَرَامَاتِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهَا لَا تَخُصُّ الْأَبْدَانَ وَلَا الْأَمْلَاكَ مَعَ أَنَّ مَا يَخُصُّ الْحِفْظَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ جَرِيمَةِ الْقَتْلِ، وَالْمُخَاصَمَاتِ، وَالْمُنَازَعَاتِ إنَّمَا هُوَ لِحِفْظِ الْأَبْدَانِ لِتَرْكِهِمْ النُّصْرَةَ وَقَطْعَ النِّزَاعِ كَمَا تُؤْخَذُ الدِّيَةُ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ وَمَا يُؤْخَذُ لِأَجْلِ الْعَسَاكِرِ الَّتِي يَبْعَثُهَا الْأَمِيرُ إلَى بَعْضِ الْقُرَى لِدَفْعِ الْأَعْرَابِ، وَاللُّصُوصِ عَنْ زُرُوعِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ إنَّمَا هُوَ لِحِفْظِ الْأَمْلَاكِ وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ يُؤْخَذُ زَائِدًا عَلَى مَا هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الذَّخَائِرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَحَيْثُ جُهِلَ الْحَالُ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ لِحِفْظِ أَبْدَانٍ أَوْ أَمْلَاكٍ أَوْ عُلِمَ أَنَّهُ مُجَرَّدُ ظُلْمٍ فَالْمُنَاسِبُ الْعَمَلُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ وَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى الرُّءُوسِ أَوْ عَلَى الْأَمْلَاكِ وَقَدْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ الْقَوْلَ بِقِسْمَةِ الْغَرَامَاتِ عَلَى قَدْرِ الْأَمْلَاكِ أَوَّلًا وَعَادَتُهُ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِمَا هُوَ الْأَشْهَرُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي خُطْبَةِ فَتَاوَاهُ فَيَكُونُ هُوَ الْأَرْجَحُ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ عَادَةُ أَهْلِ الْقُرَى فِي زَمَانِنَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قِسْمَةِ ذَلِكَ عَلَى الْفُدُنِ أَوْ عَلَى سَاعَاتِ الشُّرْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute