ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا تُثْمِرُ فِي هَذَا الْعَامِ أَوْ بَعْدَهُ بِعَامٍ آخَرَ أَوْ بِأَكْثَرَ وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا لِيَغْرِسَهَا فَيَكُونُ ذِكْرُ الْمُدَّةِ فِيهَا شَرْطًا بِالْأَوْلَى فَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا فَهِمَهُ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِذِكْرِ الْمُدَّةِ مِنْ أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا وَيُؤَيِّدُ أَيْضًا مَا فِي التَّتَارْخَانِيَّةِ وَالذَّخِيرَةِ دَفَعَ إلَى ابْنٍ لَهُ أَرْضًا لِيَغْرِسَ فِيهَا غِرَاسًا عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَمْ يُوَقِّتَا لَهُ وَقْتًا فَغَرَسَ فِيهَا ثُمَّ مَاتَ الدَّافِعُ عَنْهُ وَعَنْ وَرَثَةٍ سِوَاهُ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُكَلِّفُوهُ قَلْعَ الْأَشْجَارِ كُلِّهَا لِيَقْسِمُوا الْأَرْضَ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ قُسِمَتْ وَمَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ كُلِّفَ قَلْعَهُ وَتَسْوِيَةَ الْأَرْضِ مَا لَمْ يَصْطَلِحُوا، وَإِنْ لَمْ تَحْتَمِلْ الْقِسْمَةَ يُؤْمَرُ الْغَارِسُ بِقَلْعِ الْكُلِّ مَا لَمْ يَصْطَلِحُوا. اهـ. فَهَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي فَسَادِهَا لِعَدَمِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ فَيَكُونُ شَرْطًا إذْ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَ الْغِرَاسُ مُنَاصَفَةً كَمَا شَرَطَا نِصْفُهُ لَهُ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يُكَلَّفُ بِقَلْعِ الْكُلِّ بَلْ يُكَلَّفُ بِقَلْعِ نَصِيبِهِ فَقَطْ فَافْهَمْ.
لَكِنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تُفِيدُ أَنَّ الْمُغَارَسَةَ حَيْثُ فَسَدَتْ لِعَدَمِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ يَكُونُ الْغِرَاسُ لِلْغَارِسِ لَا لِلدَّافِعِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ قُلْتَ قَدْ قَاسَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْفَسَادُ بِاشْتِرَاطِ نِصْفِ الْأَرْضِ وَهِيَ مَا فِي التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ لَوْ دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِيَغْرِسَ وَتَكُونُ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا لَا تَصِحُّ وَالثَّمَرُ وَالْغَرْسُ لِرَبِّ الْأَرْضِ تَبَعًا لِأَرْضِهِ وَلِلْآخَرِ قِيمَةُ غَرْسِهِ يَوْمَ الْغَرْسِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ. اهـ. فَقَدْ جَعَلُوا الْغِرَاسَ هُنَا لِرَبِّ الْأَرْضِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُلْتُ قَدْ عَلَّلُوا الْفَسَادَ هُنَا بِأَوْجُهٍ مِنْهَا مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ قَدْ صَارَ الْعَامِلُ مُشْتَرِيًا نِصْفَ الْأَرْضِ بِالْغِرَاسِ الْمَجْهُولِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ، فَإِذَا زَرَعَهُ فِي الْأَرْضِ بِأَمْرِ صَاحِبِهَا فَكَأَنَّ صَاحِبَهَا فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا وَمُسْتَهْلِكًا بِالْعُلُوقِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَأَجْرُ الْمِثْلِ. اهـ. أَمَّا إذَا كَانَ الْفَسَادُ لِعَدَمِ ذِكْرِ الْمُدَّةِ لَا لِاشْتِرَاطِ نِصْفِ الْأَرْضِ لِلْعَامِلِ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُشْتَرِيًا بَلْ هُوَ مُسْتَأْجِرٌ لِلْأَرْضِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ فَصَارَ نَظِيرَ الْمُزَارَعَةِ إذَا أَخَذَ الْعَامِلُ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا بِبَذْرِهِ وَكَانَ عَقْدُ الْمُزَارَعَةِ فَاسِدًا فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْخَارِجَ لِرَبِّ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ الْأَرْضِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْغِرَاسَ كَالْبَذْرِ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ قَدْ جُعِلَتْ فِي مُقَابَلَةِ جُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ وَأَنَّ مَسْأَلَةَ الْمُغَارَسَةِ أَشْبَهُ بِالْمُزَارَعَةِ مِنْهَا بِالْمُسَاقَاةِ وَكَأَنَّهُمْ ذَكَرُوهَا فِي كِتَابِ الْمُسَاقَاةِ لِمَا فِيهَا مِنْ الْعَمَلِ عَلَى الثَّمَرِ عِنْدَ بُلُوغِ الْغِرَاسِ الْإِثْمَارَ تَأَمَّلْ وَحَيْثُ كَانَ الْغِرَاسُ لِلْغَارِسِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ أَجْرُ مِثْلِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ.
هَذَا مَا ظَهَرَ لِفَهْمِي الْقَاصِرِ فِي تَحْرِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ غَرَسَ فِي أَرْضِ زَيْدٍ بِغِرَاسٍ مِنْ زَيْدٍ بِأَمْرِهِ فَهَلْ يَكُونُ الْغِرَاسُ لِزَيْدٍ؟
(الْجَوَابُ) : نَعَمْ وَفِي جَامِعِ الْفِقْهِ لِلْعَتَّابِيِّ الْأَكَّارُ إذَا غَرَسَ فِي أَرْضِ الدَّافِعِ بِأَمْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ لِلدَّافِعِ فَالْأَشْجَارُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْغِرَاسُ لِلْعَامِلِ وَقَدْ قَالَ لَهُ: اغْرِسْهَا لِي فَكَذَلِكَ وَلِلْأَكَّارِ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْغِرَاسِ، وَإِنْ قَالَ اغْرِسْهَا وَلَمْ يَقُلْ لِي فَغَرَسَهَا بِغِرَاسٍ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ لِلْغَارِسِ وَلِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْقَلْعِ قَبْلَ الرَّبِيعِ وَلَوْ قَالَ اغْرِسْهَا عَلَى أَنَّ الْغِرَاسَ وَالثِّمَارَ بَيْنَنَا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَلَوْ قَالَ الْأَكَّارُ كَانَتْ غِرَاسِي وَقَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ كَانَتْ غِرَاسِي غَرَسْتَهَا بِأَمْرِي فَالْقَوْلُ لِرَبِّ الْأَرْضِ فِي مِلْكِيَّةِ الْغِرَاسِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْغَارِسِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ غَرَسَ عَلَى حَافَّةِ نَهْرِ قَرْيَةٍ تَالَةً فَطَلَعَتْ وَالْغَارِسُ فِي عِيَالِ رَجُلٍ أَوْ خَادِمٌ لَهُ فَقَالَ الشَّجَرَةُ لِي؛ لِأَنَّكَ فِي عِيَالِي وَخَادِمِي، فَإِنْ كَانَتْ التَّالَةُ لِلْغَارِسِ فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ لِلرَّجُلِ وَالْغَارِسُ فِي عِيَالِهِ يَعْمَلُ لَهُ مِثْلَ هَذَا الْعَمَلَ فَالشَّجَرَةُ لِصَاحِبِ التَّالَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ لَهُ مِثْلَ هَذَا الْعَمَلِ وَلَمْ يَغْرِسْهَا بِإِذْنِهِ فَهِيَ لِغَارِسِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةُ التَّالَةِ لِرَبِّهَا إذْ يَمْلِكُهَا بِالْقِيمَةِ وَكَذَا لَوْ قَلَعَ تَالَةَ إنْسَانٍ وَغَرَسَهَا وَرَبَّاهَا فَهِيَ لِلْغَارِسِ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ قَلَعَهَا عِمَادِيَّةٌ مِنْ الْفَصْلِ ٣٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute