كِبَارٌ وَصِغَارٌ فَلِلْكِبَارِ الِاقْتِصَاصُ مِنْ قَاتِلِهِ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ خِلَافًا لَهُمَا وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِي مَنْظُومَةِ الْكَوَاكِبِيِّ
وَجَازَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْكَبِيرُ ... مِنْ قَبْلِ مَا أَنْ يَكْبُرَ الصَّغِيرُ.
(سُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَتَلَ آخَرَ عَمْدًا بِآلَةِ مَرٍّ وَجَرَحَهُ بِحَدِيدَتِهِ وَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ صَغِيرٍ وَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ فَادَّعَتْ الْأُمُّ بِالْوِصَايَةِ عَلَى الصَّغِيرِ وَجَدَّةُ الصَّغِيرِ عَلَى الْقَاتِلِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَكَيْفَ الْحُكْمُ؟
(الْجَوَابُ) : قَالَ فِي الْمُلْتَقَى مَنْ قَتَلَ بِحَدِيدَةِ الْمَرِّ اُقْتُصَّ مِنْهُ إنْ جَرَحَهُ بِحَدِّهِ، وَإِنْ كَانَ بِظَهْرِهِ فَلَا وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ. اهـ. فَلْيُنْظَرْ ذَلِكَ وَفِي غَالِبِ الْمُتُونِ لِلْكِبَارِ الْقَوَدُ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ وَخَصَّهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ عَنْ الصَّغِيرِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا فِي مَالِهِ كَالْعَمِّ وَالْأَخِ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لَهُمَا، فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الصِّغَارِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمِنْ خُصُوصِ الشُّهُودِ يَنْبَغِي التَّفَحُّصُ عَنْهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، فَإِنَّهُ يُحْتَاطُ فِي الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ.
(أَقُولُ) الَّذِي فِي السُّؤَالِ أَنَّهُ جَرَحَهُ بِحَدِيدَةِ الْمَرِّ فَحَيْثُ وُجِدَ الْجُرْحُ بِالْحَدِيدِ وَجَبَ الْقِصَاصُ اتِّفَاقًا سَوَاءٌ جَرَحَهُ بِحَدِّهِ أَوْ بِظَهْرِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا ضَرَبَهُ بِالْحَدِيدِ وَلَمْ يَجْرَحْهُ كَمَا إذَا ضَرَبَهُ بِظَهْرِ الْمَرِّ وَلَمْ يَحْصُلْ جُرْحٌ وَتَقَدَّمَ آنِفًا أَنَّ الْأَصَحَّ اعْتِبَارُ الْجُرْحِ فِي الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ مِنْ الرَّصَاصِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُهَا عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ثُبُوتِ الْقَوَدِ لِلْكِبَارِ قَبْلَ بُلُوغِ الصِّغَارِ فَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ الْمُتُونِ وَاسْتَثْنَى مِنْهَا فِي التَّنْوِيرِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ مَا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ وَهَذَا بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ زَوْجَةً بَالِغَةً وَابْنًا صَغِيرًا مِنْ زَوْجَةٍ غَيْرِهَا، فَإِنَّ الزَّوْجَةَ هُنَا أَجْنَبِيَّةٌ عَنْ الِابْنِ الصَّغِيرِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلزَّوْجَةِ الْقَوَدُ قَبْلَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ وَبِهِ أَفْتَى الْحَانُوتِيُّ وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَجِدْ هَذَا الْقَيْدَ لِغَيْرِ الزَّيْلَعِيِّ وَلَكِنَّهُ ثِقَةٌ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ فَيَنْتَظِرُ عَلَى هَذَا إلَى بُلُوغِ الصَّغِيرِ. اهـ. لَكِنَّ الزَّيْلَعِيَّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْقَيْدِ فَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا نَصُّهُ: وَفِي الْأَصْلِ إنْ كَانَ الْكَبِيرُ أَبًا اسْتَوْفَى الْقَوَدَ بِالْإِجْمَاعِ.
، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا بِأَنْ قُتِلَ عَبْدٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ أَجْنَبِيَّيْنِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَخْ. اهـ. وَكَتَبْت فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْكَبِيرُ أَجْنَبِيًّا عَنْ الصَّغِيرِ: قَالَ فِي النِّهَايَةِ بِأَنْ كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ صَغِيرٍ وَأَجْنَبِيٍّ فَقُتِلَ عَمْدًا لَيْسَ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ قَبْلَ بُلُوغِهِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ أَبٌ فَيَسْتَوْفِيَانِهِ حِينَئِذٍ: ثُمَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمِلْكُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْقَرَابَةُ وَهِيَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ وَتَمَامُهُ فِيهِ. وَظَاهِرُ هَذَا التَّصْوِيرِ وَالتَّعْلِيلِ وَمِثْلُهُ مَا قَدَّمْنَا آنِفًا عَنْ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْنَبِيِّ مَنْ كَانَ شَرِيكًا فِي الْمِلْكِ لَا فِي الْقَرَابَةِ فَلَوْ قُتِلَ رَجُلٌ وَلَهُ ابْنُ عَمَّةٍ كَبِيرٌ وَابْنُ خَالَةٍ صَغِيرٌ وَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا فَلِلْكَبِيرِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْقَرَابَةُ لِلْمَقْتُولِ وَهِيَ مِمَّا لَا يَتَجَزَّى.
فَكَذَا مَا يَثْبُتُ بِهَا وَهُوَ الْقِصَاصُ فَيَثْبُتُ لَهُمَا غَيْرَ مُتَجَزٍّ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ اسْتِيفَاؤُهُ بِانْفِرَادِهِ بِخِلَافِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ مُتَجَزٍّ فَلَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ بِسَبَبِهِ لِكُلٍّ بِانْفِرَادِهِ مَا لَمْ يَجْتَمِعَا وَيَطْلُبَا الْقِصَاصَ وَالصَّغِيرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ أَبٌ فَيَسْتَوْفِيهِ الْأَبُ مَعَ شَرِيكِ ابْنِهِ فِي الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ وَكَذَا لَوْ قُتِلَ عَنْ زَوْجَةٍ وَابْنٍ صَغِيرٍ مِنْ غَيْرِهَا فَلِلزَّوْجَةِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْقَرَابَةِ مَا يَشْمَلُ الزَّوْجِيَّةَ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ بِالْقَرَابَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّةِ أَوَاخِرَ الْبَابِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ خَطَأً، فَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْكَبِيرُ وَلِيَّ الصَّغِيرِ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدِّيَةِ حِصَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute