قال: ولو حلف أن لا يكلمه فكتب إليه أو أرسل إليه رسولا حنث، إلا أن يكون أراد أن لا يشافهه.
ش: أما إذا قصد بيمينه أن لا يكلمه مشافهة، أو كان السبب يقتضي ذلك، فلا إشكال في أنه لا يحنث بمكاتبته أو مراسلته، لعدم التكليم مشافهة، وإن قصد ترك مواصلته، أو كان السبب يقتضي ذلك، فلا ريب أيضا في حنثه بمكاتبته ومراسلته، لوجود مواصلته المحلوف على تركها، وإن عريت اليمين عن قصد وسبب ففيه روايتان، حكاهما في الكافي (إحداهما) - وهي التي حكاها في المغني عن الأصحاب -: الحنث أيضا، لأن الظاهر من هذه اليمين هجرانه، فتحمل يمينه عليه، اعتمادا على الظاهر؛ (والثانية) - وإليها ميل أبي محمد -: عدم الحنث والحال هذه، لأن ذلك ليس بكلام حقيقة، ولهذا يصح نفيه فيقال: ما كلمته، وإنما كاتبته، ولأن الله تعالى امتن على موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فقال سبحانه:{يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي}[الأعراف: ١٤٤] ولو كانت الرسالة تكليما لشارك موسى غيره من الرسل، وأما قَوْله تَعَالَى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا}[الشورى: ٥١] فاستثنى الرسول من التكليم، وذلك بالنظر إلى الاشتراك في أصل معنى التكليم وهو التأثير، إذ هو مأخوذ من الكلم وهو الجرح، ولا شك أن المراسلة والمكاتبة يؤثران في المرسل إليه والمكتوب له، ولذلك جعل سبحانه الكلام قسيما للوحي في