الحكم وامتنع من الكلام (وعن أحمد رواية أخرى) - واختارها ابن أبي موسى - لا يجوز القضاء على الغائب مطلقا، لما تقدم من «قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلي كرم الله وجهه: «إذا جلس إليك خصمان، فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء» رواه أبو داود وغيره. وأجيب بأنا نقول بموجبه، فإن هذا فيما إذا كان الخصمان حاضرين، ولقائل أن يقول: الاستدلال بما أشار إليه في التعليل - وهو أن الحاكم إذا سمع من الخصم تبين له القضاء - ومقتضاه أنه إذا لم يسمع منهما لا يتبين له القضاء، وإذا كان أحدهما غائبا لم يسمع منه، ولا ممن يقوم مقامه وهو وكيله فلم يسمع منهما.
والتفريع على الأول، وعليه فلا يحكم على الغائب إلا إذا صح الحق عنده وعليه، وصحته بأن تقوم به بينة، فلو لم يكن به بينة لم يحكم، بل ولا يسمع الدعوى، لعدم فائدتها، ومع قيام البينة هل يحلفه الحاكم على بقاء حقه على الغائب، وقال ابن حمدان في رعايتيه: إنه الأصح احتياطا للغائب لجواز الاستيفاء أو الإبراء ونحو ذلك، أو لا يحلفه - وهو اختيار أبي الخطاب، والشريف والشيرازي وغيرهم، ومن ثم قال أبو محمد في المغني: إنه المشهور، لإطلاق قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «البينة على