للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وُجِد المضَافُ صَارا مُعْرَبَيْنِ فتَقُول: (أَتيتُ مِن قَبْلِ أَنْ يَأْتِي زْيدٌ) فتَجُرَّها، وَكَذلِكَ إِذا حُذِف المضَافُ إِلَيْهِ ولم يُنْوَ لَا لفْظًا ولَا معْنًى، فإِنَّها تُعْرَبُ كَقَوْل الشّاعِر (١):

فَسَاغَ لِي الشّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلًا ... أَكَادُ أَغَصُّ بِالماءِ الفرَاتِ

وَكَذلِكَ إِذَا حُذِف المضَافُ إِلَيْهِ وَنُوِي لفْظُهُ فَإِنَّها تُعْرَبُ، لكِنَّها لا تُنَوَّنُ فيُقَالُ مَثلًا: (كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى الدّرْسِ، فأَتَيْتُ مِنْ قَبْلِ)، أَي: مِنْ قَبْلِ ابْتِدَاءِ الدّرْس، فهُنا حُذِف المضَافُ ونُوِي لفْظُهُ، وَالَّذي دلَّنا عَلَى أنَّه نُوِي لفْظُه أَوْ نُوِي مَعْناهُ الإعْرَاب نفْسُه، فَإِذا كَانَتْ مبْنِيَّةً عَلَى الضّمِّ عَلِمْنا أنَّه قَدْ حُذِف وَأُرِيد المعْنَى، وَإِذا لَم يمُنْ كَذَلِكَ عَلِمنا أنَّهُ قدْ حُذِف وَأُرِيد اللَّفْظُ، فَإِنْ نُوِّنَتْ علِمْنا أنَّه ما أُرِيد اللَّفْظُ ولَا المعْنَى.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَو حُذِف المضاف إِلَيْهِ في كلام الله عَزَّ وَجَلَّ فهل يصح أن نقول: أنَّه منوي؟

قُلْنَا: لا، لا نقول ذَلِك، لكن يصِحُّ أن نقولَ: هو المُراد، أي أنَّ الله أراد بالنّسبة للمضاف إِلَيْهِ؛ لأَنَّ الإرادَة في جنابِ الله عَزَّ وَجَلَّ بمعنى النّية للخَلْق.


(١) اخْتُلِفَ في نسبة البيت، كما اخْتُلِفَ في عجزه. فنسبه العيني في المقاصد النّحوية (٣/ ٤٣٥)، إلى عبد الله بن يعرب، وعجزه: (أكاد أغص بالماء الحميم). ووافقه في النّسبة والعجز: الجرجاوي في شرح شواهد ابن عقيل (ص: ١٦٦)، والعدوي في فتح الجليل (ص: ١٦٦). ووافقه في النسبة دون العجز: الشنقيطي في الدّرر اللوامع (٣/ ١١٢)، وعجزه: (أكاد أغص بالماء الفرات)، وابن حمدون في حاشيته على شرح المكودي (١/ ٣٤٥)، وعجزه: (أكاد أغص بالماء الزّلال). ونسبه البغدادي في خزانة الأدب (١/ ٢٠٤) ليزيد بن الضعق، وعجزه: (أغص بنقطة الماء الحميم). والرّواية المحفوظة: (الحميم)، ولكن رواية: (الفرات) هي المشهورة، كما قال ابن يعيش في شرح المفصل (٤/ ٨٨)، وهي الّتي رجحها العيني، والجرجاوي، والعدوي. ويرى ابن حمدون أن رواية: (بالماء الزّلال) مناسبة لمعناها.

<<  <   >  >>