بأفْعَالِ العبادِ والمتعَلِّقَة بأفْعَالِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى فإِنَّها راجِعَةٌ إلَيْهِ، والأمْرُ الإلهيُّ ينْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَمْرٌ كَوْنِيٌّ وأَمْرٌ شَرْعِيٌّ.
مِثالُ الأمْرِ الكوْنِيِّ: قولُهُ تَعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: ٨٢].
ومثالُ الأمْرِ الشّرْعِيِّ: قوله تَعالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: ٦٣]، أَي عَنْ أَمْرِه الشّرْعِيِّ، {أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣]، ومِثْلُ قوْلِه تَعالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ} [النساء: ٥٨]، هَذا أَمْرٌ شَرْعِيٌّ.
وعَلَيْهِ فإنَّ قوْلَه تَعالَى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: ١٦]، مِنَ الأمْرِ الكوْنِيِّ، وهَذا هُوَ المتَعَيَّنُ، فَيَأمُرُهُم الله أمرًا كونِيّا بالفسْقِ فيَفْسُقُونَ، وأمَّا مَن قَال: إِنَّ المرادَ بِالأمْر في الآيَة هُو الأمْر الشّرْعِيُّ وأنَّ الله يأْمُرُهم بالطّاعَةِ فيَفْسُقونَ ثمَّ يأْخُذُهم بِالعذابِ، فَهذا القول بَاطِلٌ لأنَّهُ يقْتَضِي أنْ يكُونَ المعْنَى أنَّ الله يُرْسِلُ الرّسُلَ فيَأْمُرونَ النّاسَ بِطَاعَةِ الله؛ لأَجْلِ أنْ يَفْسُقوا فَيِحلَّ بِهم العقابُ، وَهَذا يَرْجعُ إِلَى أنَّ المعْنَى أنَّ الله بعَثَ الرّسُلَ نِقْمَة عَلَى العبَادِ، وهُوَ أَمْرٌ لا يُمْكِنُ، ثمَّ إنَّنا نقُوُل: إنَّ الأمرَ الشّرْعِيَّ لَا يخْتَصُّ بالمتْرَفِينَ، بَلْ هُوَ عامٌّ لهُمْ ولغَيْرهمْ.
المُهِمُّ: أنَّ هَذا القوْلَ ضعيفٌ وبَاطِلٌ ويُنافي حكْمةَ الله عَزَّ وَجَلَّ بإرسالِ الرّسُلِ.
فقوْلُه تَعالَى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ} يُرَادُ بِه الأمرُ الكوْنِيُّ.
وقوْله تَعالَى: {قَبْلُ}: ضُمَّتْ مَع أنَّ قبْلَها حَرْفَ الجرّ {مِنْ}؛ لأَنَّ {قَبْلُ} و {بَعْدُ} إِذَا حُذِف المضَافُ إِلَيْهِ ونُوِي مَعْنَاهُ بُنِيا عَلَى الضَّمِّ، هَذا السّبَبُ فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute