للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوْله تَعالَى: {كَذَلِكَ} الكَافُ اسْمٌ بمَعْنى مثْلِ، فهُو إِذَنْ مفْعُولٌ مطْلَقٌ عامِلُه {نُفَصِّلُ}، أيْ مثْلَ ذَلِك التَّفْصيلِ والتَّبْيينِ، نُفصِّلُ الآيَاتِ، ولكِن مَن الَّذي ينتفِعُ بِها {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}.

فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: إنَّ الله تَعالَى فصَّل الآيَات للعَاقِلِينَ وغَيْرِ العاقِلِينَ، فلمَاذا خصَّ ذَلِك بالعاقِلِينَ؟

فالجوابُ؛ لأنَّهم المنتفعونَ بِهَذا التَّفْصيلِ، مثْلَ مَا وصَفَ الله القُرآنَ بأنَّه هُدًى للمُتَّقِينَ، وَفِي آيَاتٍ أُخْرى هُدًى للنَّاسِ عامَّة، فبِاعْتبارِ الهِدايَةِ المُطْلَقةِ هُو عامٌّ، وبِاعْتبارِ الانْتِفاعِ هُو خاصٌّ.

من فوائد الآية الكريمة:

الفائِدَةُ الأولَى: : رحْمَةُ الله تَعالَى بخلْقِه بضَرْب الأمْثَالِ لهم؛ ليَصِلوا إِلَى الكمَال بِالِهدَايَةِ.

الفائِدَةُ الثَّانيَةُ: بَلاغَةُ القُرآنِ بضَرْب الأَمْثالِ، وهُو أسْلوبٌ مِن أسَاليبِ اللُّغَة العرَبِيَّة في مُنْتهى البَلاغَةِ.

الفائِدَةُ الثَّالثةُ: المُناداةُ بجَهْل هَؤُلاءِ المُشْرِكينَ وعِنادِهم؛ لأنَّهم جَعلُوا للهِ شُرَكاءَ مِن ممْلُوكِيهم، وأمَّا عِنادُهم؛ لأَنَّ الأمْرَ واضِحٌ؛ وَلِهَذا قال: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ}، ومَع هَذا عانَدُوا وأصَرُّوا عَلَى الشِّرْك، حتَّى إنَّهُم في تلْبِيَتِهم يقُولونَ: لبَّيْك لَا شَرِيكَ لكَ، إِلا شَرِيكٌ هُو لَكَ، تَمْلِكُه وَما مَلَك (١) فانْظُرِ الجهْلَ.


(١) أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب التلبية وصفتها ووقتها، رقم (١١٨٥).

<<  <   >  >>