للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألَيْس الله يقُولُ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأنفال: ٢١]، وقَالَ: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} [البقرة: ١٨]، أَوْ {لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة: ١٧٠].

المُهِمُّ: أنَّ نفْيَ العِلْم لمَنْ لم ينتفِعْ بِه صَحِيحٌ كنَفْي السَّمْع عمَّنْ لم ينتفِعْ بِه، والحاصِلُ أنَّ المُتَّبعِينَ لأهْوَائِهم ينْقَسِمونَ إِلَى قِسْمَيْنِ:

* قسْمٌ جاهِلٌ حقًّا، بَنى هَواهُ عَلَى الضَّلالِ، وَيُمْكن أنْ نُمَثّل لهَوُلاءِ بالنَّصارَى؛ فإِنَّ النَّصارَى ضالُّون.

* وقِسْمٌ آخَر مُسْتكْبِرٌ مُعانِدٌ، فهَذا في الحقِيقَةِ لا عِلْم عنْدَهُ، وإن كَان لَهُ علْمٌ فإِنَّهُ لَا ينْفَعُه، بلْ ضرَّه كاليَهُودِ.

قوْله تَعالَى: {فَمَنْ يَهْدِي}: (مَن) اسمُ اسْتِفْهامٍ، والمُرادُ بالاسْتِفْهامِ هُنا النّفْيُ، والقَاعِدَةُ أنَّ الاسْتِفْهامَ إِذا جَاء بمَعْنى النَّفْي صارَ مُشَرَّبًا بالتَّحدّي؛ لأنَّك إِذا قُلْت: مَنْ يفْعَلُ كذَا، أعظْمُ مَما إِذا قُلْت: لَا أحَدَ يفْعَلُه، كأَنَّك تقُولُ: هَذَا أمْرٌ لا يُمْكِنُ، فإِنْ كُنْت صادِقًا فَأَرِني مَنْ يفْعَلُه، فإِذا جَاء الاسْتِفْهامُ بمَعْنى النَّفي صَار أبْلَغ مِن النَّفْي المُجَرَّدِ؛ لأَنَّ الاسْتِفْهامَ بمَعْنى النَّفْي مُشرَّبٌ مَعْنى التَّحدِّي.

وقوْله تَعالَى: {مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}: {اللَّهُ} فاعِلٌ، والمَفْعُول محذُوفٌ، والتَّقدِيرُ: مَنْ أضَلَّهُ الله، وَهَذا المفْعُول هو عائِدُ المَوصُولِ الَّذِي يعُودُ إِلَيْهِ.

قوْله تَعالَى: {فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}: قال المُفَسِّر: [أَيْ لَا هَادِيَ لَهُ]، فسَّر الاسْتِفْهامَ بالنَّفْي، وهُو حَقٌّ لكِنَّهُ أبْلَغُ مِن النَّفي المُجرَّدِ.

قالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [{وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} مَانِعِينَ مِنْ عَذَابِ الله]: الظَّاهِرُ أنَّ (الوَاو) هُنا للاسْتِئْنافِ؛ لأَنَّ الجمْلَةَ خبِريَّةٌ، والتي قبْلَها إنْشائِيَّةٌ، لأَنَّ الاسْتِفْهامَ

<<  <   >  >>