للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْنَا: الشّيْءُ الواحِدُ لا يُمْكِنُ أنْ يكُونَ مفعولًا لِفاعِلَيْن إِلا إِذا اخْتلَفَتِ الجِهَةُ، وإلّا فأَنا إِذا قُمْتُ لا يُمكِنُ أنْ يكُونَ قِيامِي قِيامًا لشَخْصٍ آخَر، ولَا يُمكِنُ أنْ يكُونَ فِعْلي فِعْلًا لفَاعِلٍ آخَر، هَذا مُستَحِيلٌ، لكِن إِذا اختلَفَتِ الجِهَةُ صحَّ ذَلك، فأقُولُ: إِنَّ فعْلَ العَبْدِ بالنِّسبَةِ للعَبْدِ فِعْلٌ مباشِرٌ لَه.

فإذا جلسْتُ وأنَا لا أُريدُ القِيامَ فأَنا جالِسٌ لأَنِّي ما أرَدْتُ، لكِنِّي مرَّةً أردْتُ القِيام ولكِنِّي عاجِزٌ لَا أسْتَطِيعُ أنْ أقُومَ، أيْضًا لا يَحْصُل القِيامُ الأوَّلُ لانْتِفَاءِ الإِرادَةِ، والثَّاني لانْتِفاءِ القُدْرَة.

فمَن الَّذِي خَلق هَذِهِ الإِرادةَ والقُدْرَةَ؟

الله عَزَّ وجلَّ هُو الَّذي خلَق هَذِهِ الإرادَةَ والقُدْرَةَ، فصَارَت نسبَةُ الفِعْلِ إِلَى الله واضِحةً، نسبَةُ السَّببِ إِلَى مُسبِّبِه، أمَّا المُباشِرُ فهُو الإِنْسانُ نفْسُه، وَبِهذَا نرُدُّ عَلَى القدَرِيَّةِ الَّذِين قالُوا: لا يُمْكِنُ أنْ يكُونَ الفِعلُ الواحِدُ مفعولًا لفاعِلَيْن، فنَقُول: هَذا حق، ولكنَّهُ يصِحُّ أنْ يكُونَ مفعولًا لفاعِلَيْن باعْتِبَارِ اختِلافِ الجِهَةِ، وَهَذا هُو الَّذي علَيْه أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ، أَنَّ فِعْل الإنْسَانِ يُنسَب إِلَيْهِ حقيقَةً.

أما الأَشاعِرَةُ فَقَالوا قولًا غيْرَ معْقُولٍ في هَذا البابِ، قالُوا أنَّه لا يُنسَبُ لِلإِنْسَانِ حقيقةً، بل هُو كَسْبٌ له، ولكنَّه ليْسَ له حقِيقَةً، حتى إنَّهُم يقُولونَ: إذَا قُمْت فإِنَّ القيامَ لم يحْصُل بِك، لكِن حصَل عنْدَك، ويقُولونَ: الإنْسانُ إِذا أخَذ السِّكِّينَ وذَبح الشَّاةَ فإنَّها لا تموتُ بذَبْحِه، ولكِنْ عنْدَ ذَبْحِه، ويقُولونَ أيْضًا: إِذا أخذْتَ الحَجر ورَمَيْت الزُّجاجَةَ وانْكَسَرَتْ، مَا انكَسَرتْ بالحَجَر، بلِ انكَسَرتْ عنْدَه؛ لأنَّهم يقُولونَ: لو أنَّك أثبَتَّ أنَّ هَذِهِ الأشْيَاء تحْصُل بهَذِه الأشْيَاءِ أثبَتَّ خالِقَيْن، يعْنِي: هَذا الكَسْرُ إِذا قُلْت أنَّه مِن الحجر الَّذِي ضَرب الزُّجاجَةَ معْنَاه أنَّك أثبَتَّ خالِقًا،

<<  <   >  >>