للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فنقُول: {مُنِيبِينَ} حالٌ مِن فَاعِل (أَقِم)، ولَا مَانِعَ أنْ يكُونَ جمْعًا؛ لأَنَّ المُرادَ بالمُفْرَدِ في أوَّل الآيَةِ الجمْعُ.

قوْله تَعالَى: {وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}؛ قالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [{وَاتَّقُوهُ} خَافُوهُ {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}].

التَّقْوَى مأخوذَةٌ مِن الوِقايَةِ، وأصْلُها (وَقْوَى)، والمُراد بالتَّقْوى اتِّخاذُ وِقايةٍ مِن عذَابِ الله بفِعْل أوَامِره واجْتِنابِ نَواهِيه، وجَميعُ التَّفاسِير الَّتي فُسِّرت بِها التَّقوى ترْجعُ إِلَى هَذا المَعْنى الجامِع العَامِّ، وهِي اتِّخَاذُ وِقايَةٍ مِن عَذابِ الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بِفِعْل أوامِرِه واجْتِنابِ نَواهِيه، فمَنْ كَان يعْبُدُ الله بفِعْل الأَوامِر لكِنَّهُ يفْعَلُ النَّواهِيَ فليْسَ بمُتَّقٍ، عنْدَه تقْوَى مِن وجْهٍ دُونَ وجْهٍ.

واعْلَم أنَّ التَّقوى عنْد الإطْلاقِ تشْمَلُ الدِّينَ كُلَّه كَما يقْتَضِيه هَذا التَّفْسيرُ، فإنْ قُرِنَتْ بالبِرِّ كقوْلِه تَعالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢]، صَار المُرادُ بِها ترْكُ المحْظُوراتِ، وصارَ المُرادُ بالبِرِّ فِعْلُ المأْمُوراتِ، وَهَذا اللَّفْظ لهُ نَظِيرٌ كثِيرٌ في اللُّغَة العرَبِيَّةِ، يكُونُ اللَّفْظ لَهُ معْنَى عنْد الانْفِرادِ ومعْنًى آخَر عنْد الاجْتِماعِ، والَّذي يُعَيِّن ذَلِك هُو سِياقُ الكَلامِ.

وقوْله تَعالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}: أي: ائْتُوا بها قويمةً، وليْسَ المُراد بإِقامَتِها لفْظُ (قَدْ قامَتِ الصَّلاةُ)، بَل أنْ تأْتِي بِها قَويمَةً، وإِقامَتُها عَلَى نوْعَيْن:

- إقامَة واجِبةٌ لا بُدَّ لصحَّةِ الصَّلاةِ منْهَا، وذَلك: الإِتيانُ بِالشُّروطِ والأَرْكانِ والوَاجِبَاتِ.

- وإقامَةٌ مُكمِّلةٌ، وهِي إضافَة المُستحبَّاتِ إِلَى ما ذُكِر، فإنَّ هَذِهِ إقامَةٌ مُكمِّلةٌ،

<<  <   >  >>