للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومِن إقامَتِها المُكمِّلةِ أنْ يَأْتِي الإِنْسانُ بالنَّوافِل؛ لأَنَّ النَّوافِل - صلاةُ تطوُّعٍ - تُكَمَّلُ بِها الفَرائِضُ يوْمَ القِيامَةِ.

وقوْله تَعالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}: عَطْفُها عَلَى قوْلِه تَعالَى: {وَاتَّقُوهُ} مِن بَاب عطْفِ الخَاصِّ عَلَى العامِّ، وعطْفُ الخاصِّ عَلَى العامِّ يقْتَضِي زيادةَ الاعتناءِ به فهو دليلٌ عَلَى أهمِّيةِ الصلاةِ.

قوْله تَعالَى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}: الخِطابُ هنا يعودُ عَلَى الفاعلِ في {مُنِيبِينَ}، يعني حالَ كَوْنِكُم مُنِيبينَ غيرَ مُشركينَ أيضًا في إنابَتِكُم.

وقوْله تَعالَى: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} يُشرِكونَ بالله وهو شاملٌ للشركِ الأصغرِ، والشّركِ الأكبرِ، وَهذا يُنهى الإنسانُ أنْ يفعلَ الشّركَ أيًّا كان نوعُهُ، قَالَ شَيْخُ الإسْلَامِ رَحَمَهُ الله: "إِنَّ الشِّرْكَ لَا يَغْفِرُهُ الله وَلَوْ كَانَ أَصْغَرَ، وَالكَبَائِرَ تَحْتَ المَشِيئَةِ" (١)، وَاستدلَّ لِذَلِكَ بقوْله تَعالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ٤٨]، ووجهُ الدَّلالةِ من الآيَة أنَّ قوْلَه تَعالَى: {أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} مُؤَوَّلٌ بمصدرِ، فيكونُ المَعنى (إِنَّ الله لَا يَغْفِرُ إِشْرَاكًا بِهِ)، فهو إِذَنْ نكرةٌ في سياقِ النّفي، فيشملُ جميعَ أنواعِ الشّركِ، وَلِهَذا قال ابنُ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه -: "لَأَنْ أَحْلِفَ بِاللهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا" (٢)، لأَنَّ سيئةَ الشّركِ أعظمُ من سيئةِ الكَذِبِ.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل ما ذهبَ إِلَيْهِ شيخُ الإسْلامِ صحيحٌ؟

قُلْنَا: ظاهرُ الآية أنه صحيحٌ.

وعَلَى كلِّ حَالٍ: فالشّركُ الأصغرُ لا يُخَلَّدُ صاحبُه في النَّارِ، بل يُعَذَّبُ به ولا بُدَّ.


(١) جامع الرسائل لابن تيمية (٢/ ٢٥٤).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٨/ ٤٦٨، رقم ١٥٩٢٩).

<<  <   >  >>