افْتَرَقُوا عَلَى إحْدى وسبعينَ، والنَّصارى افْتَرَقُوا عَلَى اثنتَيْنِ وسبعينَ (١)، والمشركونَ الجاهليُّونَ حَدِّثْ ولا حَرَجَ في افتراقِهِم، فهَؤُلاءِ فرَّقوا دِينَهم، ودِينُهم ما يَدِينُونَ به، سواء كانوا يَدِينُونَ لمِخْلُوقٍ أو لخَالقٍ عَلَى زَعْمِهِمْ؛ لأَنَّ المُشْرِكِينَ يقُولونَ في آلهتِهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣]، أولئكَ أُناسٌ آخرونَ يَعْبُدُونَ ما يَعْبُدُونَ مِن الآلهةِ لا لِتُقَرِّبَهُمْ إِلَى الله، لكنْ لاعتقادِ أنَّها هي الآلهةُ وأنه لا إِلَهَ إلا هَذا المعبودُ عِنْدَهُمْ.
وقوْله تَعالَى:{وَكَانُوا شِيَعًا}: شِيَعًا يعني فِرَقًا، وأَصْلُ التَّشَيُّعِ أو الشِّيعة أصلُها الانتصارُ للشيء، فيمالُ:(شِيعَةُ فُلانٍ) أي أنصارُه فَهُم شِيَعٌ، كلُّ طائفةٍ منهم تَنْصُرُ ما هي علَيْه وتؤيّدهُ، يعني أنهم لم يقتصِرُوا عَلَى أن تَفَرَّقُوا فقط، بلْ كل واحدةٍ تدعو إِلَى ما هي علَيْه، ومعلومٌ أن من يدعو إِلَى ما هو علَيْه لا بُدَّ أن يحذرَ ممَّا يخالِفُه إذْ لا يتِمُّ الانتصارُ إلا بهذا.
قال المُفَسّر رَحَمَهُ اَلملَّهُ: [{كُلُّ حِزْبٍ} مِنْهُمْ].
حِزْبٌ بمعنى طَائِفَة، وسُمّيَتِ الطَّائِفَة المتَّفِقة عَلَى رَأْيٍ أو هَدَفٍ أو دِينٍ سُمّيَتْ حِزْبًا؛ لأَنَّ كلَّ واحدٍ منْهَا يَحْزِبُ الآخَرَ أي يُقَوِّيهِ.
وقوْله تَعالَى:{بِمَا لَدَيْهِمْ}: أي بالَّذي {لَدَيْهِمْ}، بمعنى عندَهُم.
وهل {لَدَيْهِمْ} صِلةُ الموصولِ أو متعلقُها صلةُ الموصولِ؟
مُتَعَلقُها هو صِلة الموصولِ؛ لأَنَّ (لَدَى) ظرفٌ، بُنِيَ عَلَى السُّكونِ هنا لإضافَتِه
(١) أخرجه أبو داود: كتاب السنة، باب شرح السنة، رقم (٤٥٩٦)، والترمذي: أبواب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، رقم (٢٦٤٠).