للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى الهاء، وإلَّا فأصلُها مبنيٌ عَلَى فَتْحٍ مُقَدَّرٍ عَلَى آخِرِه، تقولُ: (جَلَسْتُ لَدَى زيدٍ) أي عِنْدَهُ، لكنْ هنا أُضِيفَ إِلَى الهاء، مثل: (إلى) أُضِيفَتْ إِلَى الهاء، يُقال فيها: (إليه)، و (على) يُقال فيها: (عليه)، وتقدَّم أنَّ الصلةَ هي متعلقُ الظَّرف، والجارُّ والمجرورُ يُقَدَّرُ فِعْلًا، بخلافِ خبر المُبتدأ فإِنَّهُ يُقَدَّرُ اسمًا، فإذَا قُلْت: (زَيْدٌ عِنْدَكَ) فالتّقديرُ: (زيدٌ عِنْدَكَ كَائِنٌ، أَوْ مُسْتَقِرٌّ)، وإذَا قُلْت: (أَكْرَمْتُ الَّذِي عِنْدَكَ)، أقولُ: (الَّذِي اسْتَقَرَّ عِنْدَكَ)، والفرقُ بَيْنَهُما أنَّ الأصلَ في خبرِ المبتدأ أنْ يكُونَ مفردًا يعني لا جُمْلة، وأمَّا صلةُ الموصولِ فالأصلُ أنْ تكونَ جملةً، عَلَى أنَّه يجوزُ أنْ تُقَدِّرَ (مُسْتَقِر) في صلةِ الموصولِ، لكنْ إذا قَدَّرْتَ المُسْتَقِرَّ في صلةِ الموصولِ فإِنَّهُ يجبُ أنْ تُقَدِّرَ مبتدأً لتكونَ جملةً، ومنْ أجلِ هَذا قلنَا: إنَّ الأَوْلى أنْ يقدِّرَ مِنَ الأصلِ فِعْلًا حتى لا يحتاجَ إِلَى تقديرِ مُبْتَدأ.

قوْله تَعالَى: {فَرِحُونَ}: خَبَرُ {كُلُّ}. وقالَ رَحَمَهُ اللهُ: [مَسْرُورُونَ]، لكن هَذا الفَرَحُ إنما وصفهم الله عَزَّ وَجَلَّ به لأَنَّ مَنْ فَرِحَ بشيء لازَمَهُ، ولكنَّهُ فَرَحٌ مذمومٌ لأَنَّهُ فرحٌ بِباطلٍ، والفَرَحُ بالباطلِ لا شَكَّ أنَّه باطلٌ، لكنْ لو فَرِحُوا بما عندهُم من الحقِّ لَكَان فرحًا مسرورًا؛ لقوْلِه تَعالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: ٥٨]، فالفرحُ لا يُذَمّ من حيْثُ هو فرح، ولكنه يُذَمُّ من حيْثُ مُتَعَلِّقه فإن كان فرحًا بباطلٍ فهو مذمومٌ، وإن كان فرحًا بحقٍّ فهو محمودٌ، أمَّا الأَشَرُ والبَطر الَّذي يَنتجُ عن الفرح فَهَذَا مذمومٌ بكلِّ حَالٍ، حتى لو كان فرحُ الإنسانِ بحقٍّ وأدَّاهُ ذَلِك الفرحُ إِلَى الأَشَرِ والبَطَرِ، مثل أنْ يفرحَ بما أعطاهُ الله من المالِ والبنينَ لكِنَّهُ - وَالعياذُ بِاللهِ - يتخذُ من هَذا وسيلةً إِلَى العُلُوِّ والاسْتِكْبَارِ، فإنَّ ذَلِك فَرَحٌ مذمومٌ لِنَتيجَتِه لا لِذَاتِه.

<<  <   >  >>