للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوْله تَعالَى: {سَيِّئَةٌ} المرادُ بالسّيئةِ هُنَا مَا يَسُوؤُهُمْ، وَهُوَ ضدُّ الرَّحمةِ مثل فقرٍ وجَدْبٍ وخوفٍ وفقدانِ مالٍ وما أشبَه ذَلِك، وسُميت سيئةً لأنَّهَا تَسوؤهم.

وقوْله تَعالَى: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}: (البَاءُ) للسببيةِ أي بِسَبب، و (مَا) موصولةٌ، أي بالَّذي، وَعَلَى هَذَا فالعائدُ محذوفٌ والتّقديرُ بما قدمَتْه أيديهِم إِذَا هم يَقْنَطُونَ، ولاحظْ أنَّ الله عَز وجلَّ أطلقَ الرّحمةَ، {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً}، أمَّا السّيئةُ فقيَّدها بقوْله تَعالَى: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} وَذَلِكَ لأَنَّ السّيئاتِ سببُها أعمالُ العبادِ، كما قَالَ تَعالَى فِي الآية التّالية إنْ شاء الله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: ٤١]، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)} [الشورى: ٣٠]، وَلهذا قَالَ هنا: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}.

وقوْله تَعالَى: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} المرادُ بما قدَّموا، فعبَّرَ بالأيدي عن النَّفْسِ؛ لأَنَّ غالِبَ الأعمالِ بها، وَهَذا كثير فِي القرآن أنَّ الله تَعالَى يُضيفُ الشّيءَ إِلَى الأيدي، والمرادُ بِهَا نفسُ العاملِ بل إِنَّ الله أضافَ الأيدي إِلَى نفسِه، والمرادُ بِهَا نفسُه مثل قوْله تَعالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١)} [يس: ٧١]، فإنَّ قوْلَه تَعالَى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} لَيْسَ كقوْلِه تَعالَى: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥]، والفرقُ أنَّ المرادَ بقوْله تَعالَى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا}، أي: مما عَمِلناه، وأما قوْله تَعالَى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، فأضافَ الخلْقَ إِلَى نفسِه مُعدى إِلَى اليدِ بـ (الباءِ) فصارتِ اليدُ حصلَ بِهَا الفعلُ، وأما الخلقُ فأضافَهُ إِلَى نفسِه المقدسةِ سبحانه وَتَعَالى وعدَّاه إِلَى اليدِ بـ (الباء) وَلهذا يغلطُ مَنْ جَعَلَ قوْله تَعالَى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} مثل قوْله تَعالَى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}.

<<  <   >  >>