للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَنْ: قوْله تَعالَى: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي بما كَسَبَتْ، وعبَّرَ بالأيدي عن النَّفسِ لأنَّهَا آلةُ الفِعْلِ غالبًا.

وقوْله تَعالَى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} إِذَا فُجائيةٌ واقعةٌ فِي جواب الشّرط وَهُوَ قوْله تَعالَى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ}، وقوْله تَعالَى: {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} أتى بالجملةِ الاسميةِ للدَّلالةِ عَلَى أنهم اتصفُوا بِذَلِكَ عَلَى سبيلِ الدَّوامِ فهمْ دَائِمًا فِي قنوط مَا دامتِ السّيئةُ فيهم، والقنوطُ، يقولُ المُفَسِّر رَحَمَهُ الله: [ييأسون] ولكنَّهُ تفسير فِيهِ شيءٌ من القصورِ؛ لأَنَّ القنوطَ لَيْسَ اليأسَ بل هُوَ أشدُّ اليأسِ لأَنَّ اليأسَ إِذَا كَانَ فِيهِ شيءٌ من الرَّجاء لا يُسمى قنوطًا وإن سميَّ يأسًا لكن إِذَا بلغَ اليأسُ غايتَه سُمِيَّ قنوطًا، وقد قَالَ الله سبحانه وَتَعَالى عن إبراهيمَ: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (٥٦)} [الحجر: ٥٦]، الجاهلونَ بما لله عَز وَجلَّ من الحكمةِ فيما يَجري عَلَى عبادهِ من الضَّراءِ والسّراءِ، يقول المُفَسّر رَحَمَهُ الله: [وَمنْ شَأْنِ المُؤْمِنِ أَنْ يَشْكُرَ عِنْدَ النِّعْمَةِ ويرْجُو رَبَّهُ عِنْدَ الشِّدَّةِ]، وَعَلَى هَذَا فتكونُ الآيةُ فِي الكفارِ.

من فوائد الآية الكريمة:

الفائِدَةُ الأولَى: أنَّ الرّحمةَ من الله تَفَضُّلٌ منهُ وامتنانٌ، أمَّا كَوْنُها مِنْهُ فلقوْلِه تَعالَى: {وَإِذَا أَذَقْنَا}، وأما كَوْنُها تَفَضُّلًا فلأنه لم يذكرْ لها سببًا، فكانتْ تَفَضُّلًا وامتنانًا.

الفائِدَةُ الثَّانيَةُ: ذَمُّ الفَرَحِ إِذَا كَانَ عَلَى سبيلِ الأَشَرِ والبَطَرِ، قد نقولُ من أين يُؤْخَذُ من الآيةِ تقييدُ الفرحِ بالأَشَرِ والبَطَرِ؟

والجواب: مِنْ قَوْلِهِ سبحانه وَتَعَالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}، يمكنُ أنْ يُؤخذَ الفرحُ المذمومُ من الصِّفةِ الَّتِي بعده.

<<  <   >  >>