الفائِدَةُ الثَّالثةُ: أنَّ السَّيئةَ لا تُضافُ إِلَى الله لأنهُ قَالَ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ} وَلَم يَقُلْ وإنْ أَصَبْنَاهُمْ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ تَعالَى فِي سورر النِّساءِ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [النساء: ٧٨]، فما هُوَ الجمْعُ وقد قلنا إنَّ السَّيئةَ لا تُضافُ إِلَى الله؟
قُلْنَا: إيقاعُها لَيْسَ بسيئةٍ، هِيَ سيئةٌ لكنْ إيجادُها لَيْسَ سيئةً، بل هُوَ لحكمةٍ فالشّيءُ بنفسِه قد يَكُونُ سوءًا لكنْ بالنّسبةِ لفعلِ الفاعلِ لا يَكُونُ فعلُ الفاعلِ سوءًا، هَذَا رجل مَرِضَ ابنُه واحتاجَ الابنُ إِلَى كَيٍّ فأَحْمى الحديدةَ فِي النّارِ وكَوَاهُ فَصرخَ الابنُ ألمًا.
إِذَنْ: هَذِهِ سيئةٌ لكنْ كَيُّ وَالدهِ إياهُ حَسَنَة، فحينئذٍ يجبُ أنْ نعرِفَ الفرقَ بين الفعلِ والمفعولِ، فالسّوءُ والشّرُّ إنما هُوَ بالنِّسبةِ لمفعولِ الله له ذات منفصلةُ عن الله، وأما بالنّسبةِ للفعلِ الَّذي هُوَ فِعْلُ نفسِه، فإنَّهُ لا يمكنُ أنْ يكُونَ شرًّا أبدًا، بل هُوَ خيرٌ ويمكنُ أنْ نقولَ إنَّ الخيرَ نوعانِ: خيرٌ لذاتِه، وخيرٌ لغيرِه، فما كَانَ شرًّا فِي نفسِه وقَدَّره الله فَهُوَ خيرٌ لغيره، وما كَانَ خيرًا فِي نفسِه فَهُوَ خيرٌ.
إِذَنْ: لنا عن هَذَا جوابانِ:
الجوابُ الأولُ: أنْ يُقالَ إنَّ الشَّرَّ لَيْسَ فِي فعلِ الله بل هُوَ فِي مفعولِه، أمَّا إيجادُ الله له فَهُوَ خير لما يتضمنُه من الحكمةِ البالغةِ، هَذَا واحدٌ، ونَظِيرُهُ كَيُّ الإنسانِ ابْنَهُ ليَشْفَى مِنَ المَرَضِ؛ فالكَيُّ فِي ذاتِهِ شَرٌّ، لَكِنْ بالنِّسبةِ لِفِعْلِ الأَبِ لَهُ خَيْرٌ، هَذَا وَجْهٌ.
الجوابُ الثاني: أنْ يُقالَ إنَّ الخيرَ نوعانِ: خَيرٌ لذاتِه وخيرٌ لغيره، فما كَانَ خيرًا مَحْضًا فَهُوَ خير لذاتِه كالمطرِ والنّباتِ والرّزقِ والأمنِ وما أشبهَ ذَلِكَ وما كَانَ شرًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute