للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِذَن: التَّقوى سببٌ للعلمِ لأَنَّ الفُرْقانَ لا يَكُونُ إِلَّا بعلمٍ يُفَرِّقُ بِهِ الإنسانُ بَيْنَ النَّافعِ والضَّارِّ والحقِّ والباطلِ.

إِذَنْ: نقولُ هَذَا يشملُ أمورَ الدِّينِ وأمورَ الدُّنيا.

الفائِدَةُ الخَامِسَةُ: تحريمُ القُنُوطِ من رحمةِ الله؛ لأَنَّ الله ساقَهُ عَلَى سبيلِ الذَّمِّ {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} هَذَا دليلٌ عَلَى تحريمهِ، ودليلٌ عَلَى تحريمهِ من النَّظرِ أنَّ القُنُوطَ يستلزمُ عدمَ الرُّجوعِ إِلَى الله تَعالَى لأَنهُ إِذَا قَنَطَ من رحمةِ الله كَيْفَ يرجو رحمةَ الله؟ فيستحسِرُ وييأسُ - والعياذُ باللهِ - ولا يتعرضُ لما بِهِ الرّجاءِ والأملِ.

لَوْ قَالَ قَائِل: كَيْفَ نُفَرِّقُ بَيْنَ البلاءِ والابتلاءِ؟

قُلْنَا: البلاءُ بما يُؤْلم هَذَا سوءٌ، والبلاءُ بما يَسُرُّ هَذَا ابتلاءٌ، والمُؤْمِنُ يُبتلى عَلَى قَدْرِ إيمانِه؛ لأَن الابتلاءَ أحيانًا يَكُون بالمصائبِ لَيْسَ من أجلِ العقوبةِ لكن من أجل التَّمْحِيصِ والبيانِ، وَهَذا مَرَّ أنَّه قد يقعُ، قَالَ تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد: ٣١]، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ} [البقرة: ٢١٤]، وقلنا: إنَّ الابتلاءَ مَعَ استقامةِ الحالِ لَيْسَ المرادُ بِهِ تكفيرَ سيئةٍ حصلتْ بل المرادُ بِهِ رفعُ الدّرجاتِ لأَنَّ الصَّبْرَ لا يَكُونُ إِلَّا عَلَى بلوى، والصَّبْرُ مرتبةٌ عالية لا يُنالُ إِلَّا بمشقةٍ.

الفائدتان السّادسة والسّابعة: إثْبَاتُ الاخْتِيارِ للبشرِ؛ لقوْلِه تَعالَى: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}، فيكونُ فِي ذَلِكَ رَدٌّ لقول الجبرَّيةِ الَّذِين يقُولونَ إنَّ الإنسانَ لَيْسَ له اختيارٌ فِي العملِ.

الفائِدَةُ الثَّامِنةُ: أنَّ الإنسانَ قد يُعاقبُ عَلَى أعمالِ القلوبِ أو قد يُذم عَلَى أعمال القلوب لأَنَّ القنوطَ من أعمالِ القلوبِ إذْ إِنَّه أشدُّ اليأسِ ومحلُّه القلبُ.

<<  <   >  >>