إِلَيْهِ، فاللمسُ والشَّمُّ والذوقُ والرُّؤية والسَّماع كلها تفيد العِلْم، فَهُوَ أعم لأنهُ إِذَا رأى عَلِمَ، لكن العِلْمَ أعم لأَنَّ وسائلَه أكثرُ.
وقوْله تَعالَى:{أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} البسطُ بمعنى التوسيعُ، كما قَالَ الله تعالى:{فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ}[الروم: ٤٨]، يعني يوسعه، وقوْله تَعالَى:{لِمَنْ يَشَاءُ} سَبَقَ أنَّ كُل شيء قيده الله بالمشيئة فإنَّهُ مقرون بالحكمة وليست مشيئة الله تَعالَى مشيئةً مجردةُ لأننا نعلم أن الله عز وجلَّ حكيمٌ لا يفعلُ شيئًا ولا يُشَرّعُ شَيْئًا إِلَّا لحكمةٍ، فكلما مَرَّ عليك شيءٌ مُقَيدٌ بالمشيئةِ فاعلمْ أنه مُقَيَّدٌ بالحكمةِ.
قوْله تَعالى:{لِمَنْ يَشَاءُ}؛ قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ: [امتحانًا {وَيَقْدِرُ} يُضَيّقٌ لمِنْ يَشَاءُ ابْتِلَاءً]، ففرَّق المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ بَيْنَ تضييقِ الرّزق وبين بَسْطِه وجعل البسطَ امتحانًا والتضييق ابتلاءً، والصّواب أنهما سواءٌ كما قَالَ تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء: ٣٥]، فكلها ابتلاءٌ، وقال سُليمانُ عليه الصلاة والسلام:{هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}[النمل: ٤٠]، فالصَّوابُ أنَّ كلَّها ابتلاءٌ، والامتحانُ قريبٌ من معنى الابتلاءِ، لكنَّ الإصَابَةَ ببسطِ الرّزقِ لبسطِ الرّزقِ تقتضي شكرًا، وبتضييقِه تقتضي صبرًا، هَذَا الفرق بَيْنَهُما، والمُؤْمِن يقوم بالوظيفتيْنِ إن أصابَتْهُ سراءَ شكرَ فكانَ خيرًا له، وإن أصابته ضراءَ صَبَرَ فكان خيرًا له، وَهَذا لَيْسَ إِلَّا للمؤمنِ فقط.
وقوْله تَعالَى:{أَوَلَمْ يَرَوْا} الاسْتِفْهامُ هُنَا المُرَادُ بِهِ التَّقرير، يعني أنهم يَرَوْنَ أنَّ الأمورَ بيدِ الله عز وجلَّ وأنه يبسط الرّزق لمن يشاءُ وَيقْدِرُ، فكيف يقنَطُونَ إِذَا أصابتهم السَّيئّةَ وكيف يفرحونَ ويبطرونَ إِذَا أصابتهم الرَّحمةُ؟ بل الواجبُ عَلَيْهِم أن يعلموا أن ذَلِك بحكمةٍ من الله سبحانه وَتَعَالى.