خالق {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥)} [الطور: ٣٥]، فأنت مَا خلقك أبوك ولا خلقتك أمك ولا خلقك أحد من البشر ولا من غير البشر سوى الله سبحانه وتعالى فَهَذَا أمر مُسَلَّمٌ، وأما أهل الطّبيعة فيقولون هَذَا شيء وجد فِي الأزل عَلَى هَذَا الصّفة وصار يتفاعل ويتوالدّ وما أشبه ذَلِك لكن يقرون بموجد فلا يقُولونَ إن هَذَا الإنسان مثلًا أو هَذَا الحيوان وجد هكذا صدفة يقرون بموجد وَهِيَ الطّبيعة، فنقول لهم هذه الطّبيعة من الَّذي أوجدها؟ لكن هَؤُلاءِ مكابرون ولا عبرة بقولهم.
قوْله تَعالَى:{ثُمَّ رَزَقَكُمْ} أي أعطاكم. والرّزق فِي اللُّغَة العطاء ومنه قوْله سبحانه وَتَعَالَى:{وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}[النساء: ٨]، أعطوهم وهل أحد يدعي أن الرّازق سوى الله؟ قد يدعي أحد. قد يقول: الله قَالَ: {فَارْزُقُوهُمْ} فأنا رزقت هَذَا الإنسان أي أعطيته فيقال لكن مَن الَّذي خلق مَا أعطيت؟ الله، الَّذي رزقك هَذَا هُوَ الله، ومهما كَانَ من عمل بني آدم فإنما هُوَ تحويل لا إيجاد كل أعمال بني آدم حتى الصّنائع والبناء وغير ذَلِك لَيْسَ إِلَّا مجرد تحويل يعني تغيير من شيء إِلَى شيء وإلا فالأصل هُوَ الله عَز وَجَلَّ هُوَ الخالِق وَهُوَ الموجد، هَذَا الرّزق الَّذي أعطيت أو هَذَا الرّجل أعطيته كيسًا من الطّعام صحيح أنَّك رزقته لكن من الَّذي أوجد هَذَا الكيس؟ الله عَز وَجَلَّ فإذًا الرّزق أصله من الله وإن كَانَ قد يوجد عَلَى أيدي بعض النَّاس لقوْلِه تَعالَى:{فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ}.
وقول الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -: "وَلهَنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتهُنَّ بِالمَعْرُوفِ"(١)، لكن يُقَال من الَّذي خلق هَذَا الرّزق؟ ومن الَّذي جلبه إليك؟ ومن الَّذي قَدَّرَ أن تعطيه؟ والجوابُ على كل هذا: هُوَ الله.
(١) أخرجه مسلم: كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، رقم (١٢١٨).