للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد جعلوا المال مقصودًا مخدومًا بعد أن كَانَ وسيلة خادمًا، وحَقِيقَةُ المالِ أنه وسيلة خادم ولكن جعلناه الآن مقصودًا مخدومًا، وَهَذا من سفه الإنسان أن يستخدمه مالُه الَّذي خلق لَهُ {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: ٢٩].

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هل الإيداع فِي البنوك يعتبر إيداعًا شرعًا؟

قُلْنَا: إن قولنا فِي البنوك أني وضعت مالي وديعة عِنْدَهُم هَذَا غير صحيح لا ينطبق علَيْه شرعًا. فمعنى الوديعة شرعًا هُوَ أن تعطيه المال ليحفظه بعينه لا أن تعطيه مالَك يضعه فِي صندوق وينتفع به، حتى إنَّ العلَماءَ قَالُوا لو أن المودِع أذن للمودعَ بالانتفاع بالوديعة صارت قرضًا يثبت فِي ذمته.

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: مَا حكم السَّلَمِ؟

السَّلَمُ معروفٌ، وَهُوَ أن أعطي شخصًا دراهمَ نقدًا بسلعةٍ مؤجَلة، عكس الشّراء، فأعطيك مثلا عشرة آلاف ريال عَلَى أن تعطيني بعد سنة مئة كيس سكر أو سيارة وصفها كذا وكذا هَذَا لَيْسَ فِيهِ شيء؛ لأَنَّ الصّحابة كانوا يفعلونه فِي عهد الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - كانوا يسلفون فِي الثّمار السّنة والسّنتين (١)، فقال النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ" (٢)، ووجه أنَه لَيْسَ فِيهِ شيء هُوَ أنَهُ لَيْسَ هناك ربحٌ مضمون لأحد الطّرفين، فأنا إِذَا أعطيتك مثلًا عشرة آلاف ريال فِي سيارة إِلَى أجل لا أدري، هل أنا الَّذي أربح أو أنت؟ لأَنَّهُ عند انتهاء الأجل يمكن أن أجد السّيارة بستة آلاف ريال ويمكن لا أجدها


(١) أخرجه البخاري: كتاب السلم، باب السلم إلى أجل معلوم، رقم (٢٢٥٣)، ومسلم: كتاب المساقاة، باب السلم، رقم (١٦٠٤).
(٢) التخريج السابق.

<<  <   >  >>