الآيَات فإنَّك تُرَاعِي المعْنَى، لكَانَ لَهُ وجْهٌ، لكنْ لَا أعْلَمُ هَلْ قالَ بِذَلك أحدٌ مِن أهلِ العلْمِ، إِنّما القولُ بِه عَلَى حسَبِ قواعَدِ أهْلِ العلْم لَا بأْسَ بِه؛ لأَنَّ إِحْدَاثَ قولٍ ثالِث يتكوَّنُ مِن القوْلَيْنِ قبْلَه لَا بَأْسَ بِهِ.
وهَذِه مسألَةٌ محَلُّ بحثِها أصولُ الفقْهِ، وهِي هَلْ يجوزُ إِذا أجْمَع العلَماء عَلَى قوْلَيْنِ إِحْداثُ قولٍ ثالِث؟
والصّوابُ: أنَّه إِذا كانَ القولُ الثالِث لا يخْرُجُ عنْهُما فَغايَةُ مَا هُنالك أنَّه يُفَصَّل فِيه، فهُوَ جائِزٌ لأَنَّهُ لا يَكُونُ قدْ خرَج عنِ الخلَافِ، أمَّا إِذا كَانَ يخْرُجُ عنْهُما فَلا يَجُوزُ.
فإِذَا قُلْنا بالتَّفْصيل هُنا مَا خرَج عنِ القوْلَيْنِ، لكِنَّهُ يقَفِ في شيْءٍ، ولَا يقِفُ في شيْءٍ آخَرَ، ومِثْلُ هذَا الوِتْرُ، فمِنَ العلَماء مَنْ قَال بأنَّ الوترَ واجِبٌ، وقالَ آخرُونَ: إِنَّ الوِتْرَ ليْسَ بواجِبٍ، فإِذا قُلْنا إنَّه واجِبٌ عَلَى مَن كَان كَذا، وغيرُ واجبٍ عَلَى مَن كَان كَذا، كَما اخْتَار شيخُ الإسْلام أنَّه واجِبٌ عَلَى مَن لَهُ وِرْدٌ مِن الليلِ يقُومُ بِهِ، وغَيْرُ واجِبٍ عَلَى مَن سِوَاه (١)، صار هَذا القولُ الثالِث لا يخرُج عَنِ الإجْمَاعِ؛ لأنَّهُ يُوافِقُ أحَدَ القوْلَيْنِ في حالٍ، ويُوافِقُ القولَ الآخر في حالٍ أُخْرَى، فيَكُون قولًا ثالِثًا لكِنَّهُ لا يَخْرُج عنْهُما، أمَّا إِذا كانَ واحِدٌ يَقُولُ بالتّحْرِيم وَوَاحِدٌ يقُول بالحلِّ، ثمَّ جاءَ قولٌ ثالِث يقُولُ بالوُجُوبِ فهَذا لَا يمْكِنُ؛ لأنَّهُ في هذِهِ الحالِ لَا يُوافِقُ القوْلَيْنِ.
(١) مجموع الفتاوى (٢٣/ ٨٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute