الوَجْهُ الثَّاني: أن تُجعل {في} للظرفية ويُقَال إن الظّرفية فِي كل مكان بحسبه هَذَا تفسير {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ}.
وهل المُرَاد السّير بالأقدام أو السّير بالعقول والتّفكير؟
يشمل السّير بالأبدان بأن يذهب الإنسان إِلَى مساكن القوم ليتعظ ويعتبر أو السّير بالقلوب بأن يقرأ تواريخهم وأحداثهم حتَّى يعتبر بها، وكم من سير بالقلب صَارَ أعظم من السّير بالقدم ولكن السّير بالقدم لأجل التّفرج والنّزهة هَذَا محرم كما يفعله بعض النَّاس الآن، يذهبون إِلَى ديار ثمود من أجل التّفرج والنّزهة والاطِّلاع عَلَى مَا لهم من قوة سابقة مَعَ أن الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ القَوْمِ إِلا وَأنتُمْ بَاكُونَ، فَإنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلا تَدْخُلُوهَا"(١)، أين الَّذِين يذهبون إِلَى ديار ثمود وهم يبكون والرَّسول - صلى الله عليه وسلم - لما مر بِهَا فِي ذهابه إِلَى تبوكَ مشى مسرعًا وقَنَعَ رأسه: نَزَلها عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وأسرع وَعَلَى هَذَا فنقول إِذَا سرت فِي أرض هَؤُلاءِ المعاقبين فسر سير متعظ معتبر كما أمر النَّبيّ عَلِيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
قوْله تَعالَى:{فَانْظُرُواْ} نظر اعتبار وتفكر أو نظر عين؟
عَلَى حسب مَا قلنا فِي السّير إن كَانَ سيرًا بالقدم فَهُوَ نظرٌ بالعين، وإن كَانَ سيرًا بالقلب فَهُوَ نظر بعين البصيرة: التّفكر والتّامل، ويمكن أن نقول أيضًا حتَّى إِذَا فسرنا السّير هُنَا بالسّير الحسي عَلَى الأقدام فإِنَّهُ لا بُدَّ أنْ يكُونَ مقرونًا بالنّظر بعين البصيرة والاعْتِبار إذ النَّظر بالعين المجردة لا يفيد شيئًا.
(١) في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ المعَذَّبينَ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ"، أخرجه البُّخاري: كتاب الصّلاة، بابَ الصّلاة في مواضع الخسف والعذاب رقم (٤٣٣)، ومسلم: كتاب الزّهد والرّقائق، باب لا تدخلوا مساكن الذّين ظلموا أنفسهم إلَّا أن تكونوا باكين، رقم (٢٩٨٠).