للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَيْبٌ، فعَلى هَذا نقُولُ: إنَّ الله لا يُخْلِفُ وعدَه؛ لِكَمال صِدْقِه في خَبَرِه، وكَمالِ قُدْرَته في تنْفِيذِ وعْدِه، واللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كامِلُ القُدْرَة، وكَلامُهُ كامِلُ الصّدْقِ؛ وَلِهَذا قَال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} به]، أيْ بالنّصْر، والنّصْرُ الَّذي وُعِدوا، {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}.

وِفي الآيَات التي سبَقَتْ وعْدٌ آخَرُ للمُؤْمِنينَ بالفرَح؛ لقوْلِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}، فوَعَدَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بانتصار الرّوم عَلَى الفرْس وبِفَرَح المؤْمِنينَ، ولا شَكَّ أنَّ الفرَحَ فِيه مِن انبِسَاط النّفْس وسُرورِها وانْشِراحِها مَا هُو نعمَةٌ يُنْعِمُ الله بِه عَلَى الفرِحِ.

قوْله تَعالَى: {وَعْدَ اللَّهِ} عُطِف علَيْه قولُه: {وَلَكِنَّ}، أو يحتَمِلُ أنَّه معطُوفٌ عَلَى قوْلِه تَعالَى: {لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ}، و (لكنَّ) تنصِبُ الاسْم وترْفَغُ الخبَر، واسْمُها {أَكْثَرَ} وخَبَرُها جُمْلَةُ {لَا يَعْلَمُونَ}.

وقوْله رَحِمَهُ اللهُ: [{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} أي كُفَّار مكة]: تخصِيصُ ذَلِك بكُفَّارِ مكَّةَ فِيه نَظَرٌ، والصّوابُ أنَّه يشْمَلُ كُفَّار مكَّةَ وغيرَهم، وكلُّ مَن ليْسَ عنْدَه إِيمانٌ فإِنَّهُ لَا يعْلَمُ ما للهِ تَعالَى مِن تنفيذِ الوَعْدِ؛ لأنَّهُ بيْنَ مكذِّب وشَاكٍّ متردِّدٍ فلَا يعْلَمُه.

قوله رَحِمَهُ اللهُ: [{لَا يَعْلَمُونَ} وعدَه تَعالَى بنصرهم]: والظّاهرُ أنَّهُم لا يعلمُونَ وعدَه تعالَى بنصرِهم، ولا يعلمونَ أنَّ الله تَعالَى لا يُخْلِف الوَعْدَ، أيْ لا يعْلَمُون الأمْرَيْنِ جميعًا، فَلا يعْلَمُون أنَّ الله تَعالَى سيُحَقِّق النّصْرَ لهمْ إِمَّا لجهلهم بمَا أخْبَر الله به، وإِمَّا لشَكِّهِم في صدْقِه أو قُدَرِة الله علَيْهِ، ولَا يَعْلَمُونَ أيضًا أنَّ الله لا يُخْلِفُ الَوَعْدَ فِي هَذا وفِي غيْرِهِ لشَكِّهم في صِدْقِ الله وفي قُدْرَته تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى إِنْفاذِ موْعُودِهِ.

<<  <   >  >>