للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإنَّهُ لا يخرج من الإِيمَان، لو لم يَصُمْ فإِنَّهُ لا يخرج من الإِيمَان، لو لم يَحُجَّ فإنَّهُ لا يخرج من الإِيمَان، هَذَا هُوَ الصّحيح، وعن الإِمَام أحمد رواية أن جميع أركان الإسْلام إِذَا تركها الإنسان متهاونًا فَهُوَ كافر، فإذا لم يُزَكِّ فَهُوَ كافر، إِذَا لم يَصُمْ فَهُوَ كافر، إِذَا لم يَحُجَّ فَهُوَ كافر، يقول: لأَنَّ الرُّكنَ علَيْه الاعتماد، ركن الشّيء علَيْه اعتماد الشّيء، فإذا لم يوجد الرّكن مَا قَامَ الشّيء، وَهَذا لا شك أن لَهُ وجهًا لكن الأدلة تمنع من القول بِهَذا، فإن حديث أبي هريرة الصّحيح فيمن لا يؤدي زكاته، ذكر النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عقوبته ثمَّ قَالَ: "ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ" (١)، فَهَذَا يدلُّ عَلَى أنَّه لا يكفر بمنع الزّكاة، وجهه لأنهُ لو كفر بِذَلِكَ مَا كَانَ لَهُ سبيل إِلَى الجنَّةَ، وَهَذا واضح، فإذا لم يكفر بترك الزّكاة فما دونها من باب أولى، ولا شك أن أركان الإسْلام الَّتِي دون الزّكاة أنَّها دونها فالصِّيام دون الزّكاة والحج دون الزَّكاة.

فَإِنْ قَالَ قَائِل: مَا تَقُولُونَ فِي قوْله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (٩٧)} [آل عمران: ٩٧]، فإن ظاهره من كفر فلم يحج فإن الله غنيٌّ عن العالمين؟

فالجوابُ: إن المُرَاد بالكفر هُنَا سوى الكفر الأكبر يعني كفر دون كفر، وَلِهَذا لم يقل ومن لم يحج فَهُوَ الكافر، أو وتَرْكُ الحج هُوَ الكفر كما قَالَ فِي الصّلاة، و (كَفَرَ) فِعْلٌ، والفعل يدل عَلَى الإطلاق ولا يدل عن العُمُوم، فَهَذَا الجواب عن هَذِهِ الآية، والَّذِين قَالُوا إِنه يكفر بترك الحج احتجوا بهذه الآية، وأما قول عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًا وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا" (٢)، هَذَا يُقَال من باب


(١) أخرجه مسلم: كتاب الزية، باب إثم مانع الزكاة، رقم (٩٨٧).
(٢) أخرجه التِّرمِذي: أَبواب الحج، باب ما جاء في التغليظ في ترك الحج، رقم (٨١٢).

<<  <   >  >>