بـ (أن) بعدها عَلَى رأي البصريين، فاللام واحدة ولام التّعليل كما تدخل عَلَى الأفعال تدخل عَلَى الأسماء، فلو قلت:(جئت لإكْرَامِكَ) فهي لام التّعليل، وتقول:(جئت لأُكْرِمَكَ) هِيَ لام التعليل.
وقوْله تَعالَى:{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} الفاعل: فاعل الجزاء هُوَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ ضمير مستتر يعود عليه.
وقوْله تَعالَى:{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} الجزاء بمعنى المكافأة يعني ليكافئهم {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ} قَالَ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللَّهُ: [يُثيبَهُمْ]، هَذَا تفسير للجزاء بمعنى الإثابة والثّواب هُوَ المكافأة وسمي ثوابًا لأنهُ من ثاب يثوب إِذَا رجع لأنَّه يرجع إِلَى الإنسان جزاء عمله.
وقوْله تَعالَى:{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} انتبه لهذين الشّرطين، إيمان، وعمل صالح، فالإيمان وحده لا يكفي، والعمل الصّالِح وحده لا يكفي، هَذَا إِذَا قُرن الإيمانُ بالعمل، أمَّا إِذَا قِيلَ: عمل صالِح يكفي، أو إيمان يدخل فِيهِ العمل، والإيمان يَكُون بالقلب، فمن لا إيمان فِي قلبه لو عمل من الصّالحِات مهما عمل لم ينفعه، والمنافق يذكر الله ويصلي وينفق وربما يخرج فِي الجهاد ولا ينفعه عمله، لَأنَّهُ لا إيمان فِي قلبه، الإنسان الَّذي عنده إيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لكِنَّهُ لم يعمل عملًا صالِحًا يمكن أن يُجزى إِلا فِي واحدة فقط وَهِيَ الصّلاة، فإِنَهُ إِذَا لم يعملْها لا ينفعه إيمان لأنَّهُ قد دلت الأدلة عَلَى أن هَذَا العمل وإن كَانَ عملًا بدنيا لكِنَّهُ يَكْفُرُ الإنسان بتركه كفرًا مخرجًا عن الملة، أمَّا غير الصّلاة من الأعمال فقد قَالَ عَبْدُ الله بْنُ شَقِيقٍ:"كَانَ أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ إِلَّا الصّلاةَ"(١)، يعني لو لم يُزكِّ
(١) أخرجه التِّرمِذي: أَبواب الإِيمَان، باب ما جاء في ترك الصلاة، رقم (٢٦٢٢).