للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مقتضى اسمه الحكيم فتكون واجبة ليست بإيجاب أحد ولكنها بمقتضى كونه حكيمًا هُوَ الَّذي أوجبها عَلَى نفسه وَهَذا القول هُوَ الصّحيح وَإِذَا قلنا بِهِ فإننا لا يمكن أن نعترض عَلَى أي حكم من أحكام الله كونيا كَانَ أم قدريا لأننا نعلم أن الَّذي أوجب أن تقترن أفعاله وشرائعه بالحكم هُوَ الله لا نحن فلا نقول: إن الله يجب علَيْه فعل الأصلح ولا فعل الصّلاح إيجابًا مستقلًّا عن إرادته وَهَذا القول هُوَ الحق.

إِذَنْ: نأخذ مِنْهُ أن جميع أفعال الله وأحكام الله كلها معللة بالحكمة بمقتضى اسمه الحكيم.

الفائِدَةُ الثَّانيَةُ: أن الجزاءَ لَيْسَ واجبًا عَلَى الله لقوْلِه تَعالَى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ} لكِنَّهُ أوجبه عَلَى نفسه لقوْلِه تَعالَى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: ٥٤] أوجبه هُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى نفسه وَلِهَذا قَالَ الشّاعر (١):

مَا لِلْعِبَادِ علَيْهِ حَقٌّ وَاجِب .. كَلَّا وَلا عَمَلٌ لَدَيْهِ ضَائِعُ

إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا ... فَبِفَضْلِهِ وَهُوَ الكَرِيمُ الوَاسِعُ

وابن القيم رَحَمَهُ اللَّهُ نظم معنى هذين البيتين لكِنَّهُ علل فقال (٢):

مَا لِلْعِبَادِ علَيْهِ حَقٌّ وَاجِب ... هُوَ أَوْجَبَ الأَجْرَ العَظِيمَ الشَّانِ

إِنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أَوْ نُعِّمُوا ... فَبِفَضْلِهِ وَالفَضْلُ لِلْمَنَّانِ

فقيد المطلق فِي البيتين السّابقين أنَّه هُوَ الَّذي أوجب ذَلِك تَفَضُّلًا مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ.


(١) بدائع الفوائد (٢/ ١٦٢).
(٢) الكافية الشافية لابن القيم (ص: ٢٠٨، ٢٠٩)، ط. مكتبة ابن تيمية، القاهرة.

<<  <   >  >>