لأَنَّهُ إِذَا انتفى محبته عن الكَافِرِينَ لزم محبته للمؤمنين، فإن لم يكن، لم يكن فرق بَيْنَ المؤْمِنينَ وبين الكَافِرِينَ، لو كانت المحبة منتفية فِي هَؤُلاءِ وهَؤُلاءِ مَا كَانَ بينهم فرق، وَلِهَذا استدل أهل العِلْم عَلَى إثْبَات رؤية الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بقوْله تَعالَى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)} [المطففين: ١٥]، قَالُوا: فلما حجب هَؤُلاءِ فِي حال السّخط دل عَلَى أَنه لا يحجب الآخرون فِي مقام الرّضا.
إِذَنْ: نأخذ من هَذِهِ الآيَة إثْبَات المحبة وَهِيَ كما سبق الكلام علَيْه صفة ثابتة لله عَلَى وجه الحقيقة وليست بمعنى الثّواب ولا إرادة الثّواب، وإِنَّمَا ذَلِك من لازمها ومقتضاها إِذَا أحب قومًا أثابهم ولا يثيبهم إِلَّا بإرادة {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[يس: ٨٢].
الفائِدَةُ الرابعةُ: الحث عَلَى الإِيمَان والعمل الصّالِح، الله جَلَّ وَعَلَا مَا قَالَ آمِنُوا واعْمَلُوا، لكنْ ذِكْرُ الجزاءِ يستلزم الحث عَلَى الفعل، وَهَذا أحد الطّرق الَّتِي يُستدل بِهَا عَلَى أن الشّيء مأمور بِهِ، لا تظن أن الشّيء المأمور بِهِ هُوَ مَا جاء بصيغة الشّيء افعل، بل الأمر يستفاد من عدة أمور، فإذا ورد التّرغيب فِي شيء فَهُوَ مأمور به.
الفائِدَةُ الخَامِسَةُ: ذم الكفر يؤخذ مِنْ قوْلِه تَعالَى: {لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فإذا نفى الله المحبة عن هَؤُلاءِ فإِنَّهُ يقتضي ذم عملهم.
الفائِدَةُ السّادِسَةُ: أن الحكم إِذَا علق بمشتق - وهذه فائدة أُصُوليَّة - فَهُوَ دليل عَلَى أن ذَلِك المشتق هُوَ علة فِي الحكم، مثلَا قوْله تَعالَى:{لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فالعلة هُنَا كفرهم، أي أن الحكم بعدم حبهم عُلق عَلَى وصفِ هُوَ كفرهم.