للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بما تختص به، إمَّا أن تكون الآية الَّتِي بعدها آية رحمة أو بعدها شيء يدل عَلَى السّلطان والعظمة.

والمُهِمُّ: أن لكل آية معنى خاصًّا ومعنى عامَّا، فالمعنى العام هُوَ هَذِهِ الثّلاثة: العِلْم والقُدْرَة والحكمة، فقوْله تَعالَى: {أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} يضاف إِلَى هَذِهِ الثّلاث الرّحمة لأَنَّ هَذِهِ الرّياح تبشر بالمطر وقوْله تَعالَى: {أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ} الإرسال بمعنى الإطلاق ومنه قول الشّاعر (١):

فَأَرْسَلَهَا العِرَاكُ ... .... ... ..

يعني أطلقها، ومنه قول الفرضيين: (دَيْنٌ مُرْسَلٌ) يعني مطلقا لَيْسَ بِهِ رهن فقوْله تَعالَى: {أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ} أي يطلقها عَزَّ وَجَلَّ، والرّياح جمع ريح وَهِيَ الأهوية، واعلم أن الرّيح تُذْكَرُ مفردةً وتذكر مجموعةً، فإذا ذكرت مجموعة فإنها تكون غالِبًا للرحمة، وإِذَا ذُكرت مفردةً فإنها تكون غالِبًا للعقاب كما فِي قوْله تَعالَى: {فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (٦)} [الحاقة: ٦]، قَالَ (ريح)، وقوْله تَعالَى: {أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١)} [الذاريات: ٤١]، وقوْله تَعالَى: {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف: ٢٤]، وما أشبه ذَلِك، ولكنها أعني الرّيح قد تُفرد وتكون فِي مقام النّعمة لا سِيَّما إِذَا وصفت بما يدل عَلَى ذَلِك.

كما فِي قوْله تَعالَى: {وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} [يونس: ٢٢]، فالرّيح هُنَا عقوبة نعمة، وَإنَّمَا كانت نعمة لأنَّهَا وصفت بقوْله تَعالَى: {طَيِّبَةٍ}، أما بالنّسبة للسفن فالأَوْلَى اتحاد الرّيح لا اختلافها؛ لأنَّهَا إِذَا اختلفت اختلف سير السّفينة، وفي الماضي


(١) البيت للبيد، وتمامه:
فأْرسلها العراك وَلم يذدها ... وَلم يشفق على نغص الدّخال

<<  <   >  >>